الحوار الذي أجراه موقع “زمان عربي” مع فضيلة الشيخ الدكتور محمد السعيدي

تكبير الخط تصغير الخط

فيما يلي الحوار الذي أجراه موقع “زمان عربي” مع فضيلة الشيخ الدكتور محمد السعيدي حول التهديدات التي تشكلها التنظيمات الإرهابية على العالم الإسلامي، ودور حركة الخدمة في جعل اسم تركيا يصور بشكل إيجابي في العالم الإسلامي:

http://goo.gl/T5FamK

– بعض التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة وبوكو حرام وداعش وشباب، تشكل تهديدا كبيرا على العالم الإسلامي. في نظركم ما هي الأسباب المباشرة للنشئة هذه التنظيمات؟ هل تفسير نشئتها ردة فعل ضد الغرب صحيح؟  وهل المشاكل الاجتماعية والثقافية والأخلاقية والدينية والاقتصادية التي يعانيها العالم الإسلامي له دور في نشئة هذه التنظيمات؟  

 

جواب – يمكن الحديث عن ظاهرة نشوء الإرهاب من عدة زوايا ابدؤها بما يلي :

١- الغلو في الدين يعبر عن خلل في فهم الدين يقع دائما بين فئة تقل وتكثر في أتباع الديانات في كل زمان ومكان وليس مقتصراً على الدين الإسلامي.

ولهذا قال تعالى مخاطباً أهل الكتاب من اليهود والنصارى ( قل ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل) وقد غلا اليهود والنصارى في عدة جوانب أبرزها ، جانب العنف وجانب الرهبانية ، وحديثنا هنا عن جانب العنف ، فقد مارسه اليهود والنصارى عبر التاريخ مرات عديدة ، قاموا خلالها بمحاولات بشعة لتصفية مخالفيهم ، وقد نصت التوراة المحرفة على صور من هذه التصفية العرقية كما هو مسطور في سفر يوشع بن نون وغيره من الأسفار ، حيث يروي ذلك السفرالقصة المزعومة ليوشع بن نون في  استئصال الفلسلطينيين. 

وعلى مر التاريخ شهدت العصور مجازر تصفيات عرقية بذرائع دينية من أهل الكتاب ، من أبشعها مجزرة القدس سنة ٤٩٢ هـ محاكم التفتيش في إسبانيا ومجازر  البلقان في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي والتي كانت تصفية المسلمين فيها على أسس الغلو في الدين ، حتى قال الشاعر أحمد شوقي وهو يُخٓلِِد مجازر مقدونيا:

ويحثه باسم الكتاب أقِسَّة

نشطوا لما هو في الكتاب حرام

وفي السنوات المتأخرة كانت مجازر الآرثوذكس ضد مسلمي البلقان أيضا وهي لا تخفى على الجميع ، أما مجازر اليهود ضد المسلمين في الضفة الغربية وغزة فأشهر من أن تعرَّف ، وكذلك ما فعله الأمريكان والروس في الأفغان وما فعله الأمريكان فيالعراق .

المهم من ذلك أن قصة الغلو في الدين عن طريق الإسراف في قتل المخالف لا ينجو منها أتباع دين .

هذا الجانب من الغلو يمكن أن نصفه بأنه جانب تلقائي يكمن في نزوع بعض النفوس البشرية بطبعها إلى العنف فتختلط هذه النزعة بالتدين أياً كان المتدين ، سوا أكان يهودياً أم نصرانياً أم مسلماً ، فتنتج غلواً في جانب العنف ،  لكن الإسلام استطاع   أن يٓحُدَّ من هذا الأمر كثيراً وذلك عن طريق الدقة والوفرة في التعاليم المحفوظة والبعيدة عن التحريف والعبث والتي لا توجد في دين آخر، ولذلك كان المسلمون السنة على مدى تاريخهم حتى عصرنا الحاضر أقل الأمم غلوا في الدين في جانب العنف ، بل حتى التطرف والغلو الموجود حالياً في المنظمات المتطرفة المنتمية للإسلام السني خاصة كالقاعدة وداعش   أقل بكثير من الغلو والتطرف الموجود لدى الصهيونية اليهودية أو الصهيونية النصرانية أو الصفوية الشيعية .

وهناك نوع آخر أشرت له في البداية من الغلو في الدين والتطرف في فهمه لكنه ليس في جانب الاستهانة بالدماء بل في جانب الاستهانة بمتاع الحياة الدنيا حتى يصل الأمر إلى تحريف النص الشرعي من أجل تبرير إنكار الدنيا كما حصل حين أحدثت النصرانية فكرة الرهبانية والتي بالرغم من نهي الإسلام عنها إلا أنها ظهرت بين المسلمين على شكل التصوف الغالي .

 

 ٢- السبب التلقائي للتطرف في جانب العنف والدماء والذي تحدثنا عن وجوده في كل أتباع الديانات يحتاج إلى عوامل تضمن استمراريته وانتشاره واضمن جاذبيته للأتباع ، وهذه العوامل من الصعب حصرها وقد وُجِد الكثير منها لدى كل أتباع الديانات التي مارس أتباعها الغو في العنف والدماء في كل العصور ، لكنني هنا سوف أقتصر على التطرف في الدماء المنسوب لفئة من أهل السنة ، وأسرد بعض أسباب البقاء والانتشار المتاحة له هذه السنوات ، فمنها

١- تصور خاطئ عن مفهوم تطبيق الشريعة والسبيل الصحيح لتطبيقها .

٢- غياب مفهوم الموازنة بين المصالح والمفاسد والموازنة بين المفاسد بمعنى تقديم أخف المفسدتين على أعلاهما عند الضرورة 

٣- غياب سيرة النبي صلى الله عليه وسلم عن الاعتبار بها في خضم ما يستجد من أحداث.

٤- عزلة هؤلاء الشباب المتطرفين عن أهل العلم ، وقد حدثت هذه العزلة نتيجة سنوات من العمل غير المقصود والعمل المقصود على تشويه صورة العلماء الحكماء في أذهان الشباب .

٥- انتشار مفهوم حزبي خاطئ وهو أن الإصلاح لا يكون إلا عن طريق تغيير الحكام ومناهضتهم الأمر الذي صرف همم كثير من الدعاة عن الدعوة والتربية إلى إيغار الصدور على الحكام واستخدام النصوص الشرعية لإثبات كفرهم ، الأمر الذي أنشأ ظاهرة التكفير .

٦-ظلم وجور أكثر الحكام المسلمين واستهانتهم بالشريعة جملة وتفصيلاً الأمر الذي جعل لكل الدعوات الثورية والتكفيرية جانب كبير من المصداقية ساهم في تبرير التطرف .

٧- استغلال أجهزة الاستخبارات المختلفة إيرانية وصهيونية وأمريكية وأوربية وروسية لهذا التوجه والعمل على اختراق هذه الجماعات حيناً أو إنشاء جماعات تحت قيادات عميلة لهم ، وذلك بقصد تمرير مشاريعهم بطريقة يطول شرحها ، لكن هذه الأجهزة الاستخباراتية وفرت غطاء إعلامياً وتغاضياً سياسياً وتمكيناً مادياً ، بل وهيأت ظروفاً تجعل دعوات هذه الجماعات أكثر إقناعاً .

 

٨- وهي النقطة الأخيرة استغلال منظري الجماعات لنصوص من الكتاب والسنة متشابهة أو نصوص نعسفت في حملها على نظرياتها التكفيرية وذلك لمزيد من القدرة الإقناعية على جلب الأتباع أو التبرير للنفس لأن كثيراً منهم يعتنقون الفكر التكفيري المتطرف الدموي قبل البحث عن دليل له .

– عندما وصل حزب العدالة والتنمية إلى الحكم كان هناك نقاش في العالم الإسلامي والغرب يدور حول أن تركيا يمكن أن تكون نموذجا للعالم الإسلامي؟ حتى بدأ الحديث على أن العدالة والتنمية سيبعث الأمل من جديد داخل العالم الإسلامي؟ لكن العدالة والتنمية أصبح حزبا معروفا بالفساد والرشوة وبهذا فقد مشعل هذه المهمة؟ فما سبب سقوط العدالة والتنمية في مثل هذا الوضع؟

 

هذا السؤال مركب من سؤالين ، الأول : أن تركيا ستكون نموذجاً للعالم الإسلامي يبعث الأمل ..

هذا التصور الذي ساد أوساط المثقفين المنتمين للتوجهات الإسلامية كان تصوراً فيه حق كبير كما أن فيه أيضا ظلم كبير للدول الإسلامية التي سبقت تركيا وكانت أنموذجاً للدول الإسلامية في جوانب مختلفة ، فمثلاً ، في جانب تطبيق الشريعة في أنظمة الدولة وفي أوساط المجتمع كانت السعودية سباقة إلى هذا الأمر ، كما أنها أي السعودية حققت الكثير من النجاحات الصناعية والاقتصادية ليس هنا مجال إحصائها .

وفي مجال التنمية التجارية والبنى التحتية كانت الإمارات العربية أيضا لها قصب السبق ، وكانت ماليزيا التي تشابه تركيا إلى حد كبير في مصادر الدخل وعدم اعتمادها على الثروة المعدنية ، أقول كانت ماليزيا سابقة في المجال الزراعي والتجاري والصناعي والاقتصادي والبنيوي .

نعم كان هناك أمل كبير في التقدم التركي لكن ليس إلى حد امتيازها بلقب الأنموذج .

أما الشق الآخر من السؤال فهو عن الفساد ، والحق أنني لا أستطيع الجزم بالفساد قبل صدور أحكام قضائية لكن الأمر الذي أتعجب منه ويثير الشبهة هو موقف الدولة التركية من إحالة هذه القضايا للقضاء لاسيما وحزب العدالة والتنمية دخلوا  قيادة البلاد من منطلقات تحرير القضاء والقضاء على الفساد ، وأعتقد أن المطالبة بأحكام قضائية أو عدم المطالبة بذلك حق خاص بالشعب التركي وإعلامه ، أما أنا فليس لي سوى أن أتمنى للجميع كل خير.  

– حركة الخدمة والمدارس التركية لعبت دورا مهما في جعل اسم تركيا يصور بشكل ايجابي في العالم الإسلامي والغرب. وبفضلهما رأينا كيف أن تركيا والمجتمع التركي يتقبل الفكر الإسلامي بلهفة وشوق، وكيف أنهما صوروا الوجه المضيئ والسلمي للإسلام عكس ما يسوقه الغرب عن الإسلام، لكن العدالة والتنمية يحاول جاهدا تشويه حركة الخدمة وإغلاق هذه المدارس؟ في رأيكم ما هو سبب دخول العدالة والتنمية في مثل هذه الحرب؟

 

رؤيتي الشخصية أن رجوع الشعب التركي عن الخيار العلماني إلى الخيار الإسلامي كان له أسباب عديدة من أبرزها نشاطات الخدمة التي توزعت مع جميع اهتمامات المواطن التركي لاسيما النشاط التربوي والتعليمي ،والتعليمي كما أن كثيراً من النشاطات الإغاثية والتربوية والتعليمية التي يتوهم الكثيرون  أنها من صنع الحكومة التركية هي في الحقيقة من نشاطات الخدمة , فالذي لا زال بالنسبة لي غير مفسر هو ذلك العداء الذي يلهج به فخامة الرئيس أردوغان ضد الخدمة ، وكمتابع فقط لم أجد في الحديث الرسمي التركي أدلة تقنعني بصحة موقف الدولة التركية ضد الخدمة ، فأنا لا يمكنني ولا أستطيع ولو حاولت أن أقتنع بأن الشيخ فتح الله كولن عميلاً لأمريكا مع أن مؤسسة الخدمة قد نشأت قبل زمن سحيق وحققت إنجازات لصالح التدين والأخلاق في تركيا ، فلا يمكنني أن أصدق بما يقال عنها لمجرد أن حزب العدالة قد قاله ، كما أنني في المقابل لا أستطيع أن أصادر جهود المخلصين في حزب العدالة وتضحياتهم زمن الحكومات العلمانية لمجرد أنه حصل من بعضهم فساد في وقت متأخر ، فكما لا يقبل حزب العدالة أن يتكلم أحد فيه دون حكم قضائي ينبغي أن لا نتكلم في حركة الخدمة دون دليل سوى أن الحكومة متضايقة منهم .

والحقيقة أن الرأي العام الإسلامي يميل لتصديق أردوغان وحزبه دون أن يطالبوه بالدليل ، وفي تقديري أن هذا مؤشر على ضعف في حاسَّة العدل الفكري لدى الرأي العام المسلم وهذا في يشير إلى خلل تربوي يحتاج من الدعاة إلى تدارك .

ومن كان مثلي ممن هم خارج تركيا أقترح عليهم أن يقولوا من الكلام ما يجمع الله به الشمل بين إخوانهم الأتراك وليس ما يؤجج المشكلة ويفاقمها .

وحزب العدالة وجماعة الخدمة كلاهما إخوة لنا علينا أن نسعى في البحث بطريقة علمية ومنصفة عن أساس ما يحدث الآن من قِبَل الحكومة تجاه الخدمة ونبذل الجهود في إنهائها ، وأنا أُحَمل المسؤلية لرابطة العالم الإسلامي والندوة العالمية للشباب ورابطة علماء المسلمين ومنظمة التعاون الإسلامي ، فكل هذه الجهات لم أر حتى اليوم لهم أي جهد واضح في هذا الأمر .

 

– تعتبر حرية الصحافة صمام الأمان للحرية التعبير في أي بلد، لكن حزب العدالة والتنمية بذريعة مخالفة الحكومة ومن أجل تقزيم حرية الصحافة قام بالظغط على بعض المؤسسات الإعلامية واعتقال بعض الصحفيين المقربين من الخدمة؟ فإذا دخل كل الإعلام تحت سيطرة أردوغان ما هي المخاطر التي تنتظر تركيا؟

 

تركيا بلد ذونظام ديمقراطي والنظم الديمقراطية كما لا يخفى تستند إلى الصحافة كسلطة رابعة كما يقولون عنها ، وفي نظري الشخصي أن الحرية المطلقة التي يمنحها النظام الديمقراطي للصحافة عليها مآخذ وتحتاج إلى ضبط يتناسب مع قِيَم المجتمعات المسلمة ، ولو أن الحكومة التركية كانت تسير في هذا الاتجاه لكانت نقطة إيجابية لها ، لكن الذي يظهر للعيان أنها تستهدف الصحافة السياسية  المنتمية للتوجه التربوي الديني فقط والتي كما قلت تعتبر عين الرقيب للشعب في النظم الديمقراطية ، وحرية هذه الصحافة في النقد السياسي أحد ما تم انتخاب حزب العدالة من أجله ، والحكومة التركية حالياً تنتقد ما يحدث في مصر من تضييق على حرية الصحافة المنطلقة من  توجهات سياسية إسلامية ، فمن غير المقبول أن تأتي ما تنهى عنه .

وحقيقة الأمر أنني أدعو الصحافة التركية إلى العدل في نقد حكومة حزب العدالة ، كما أدعو حكومة حزب العدالة إلى تقبل النقد العادل لاسيما وهو يأتي من إخوان للحزب ولهم تاريخهم الإيجابي معه .

    

– تركيا والعالم العربي عاشوا قطيعة منذ عشرات السنين. ومتى بدأت الخدمة مشاريعها في دولة عربية،بدأت العلاقات بين هذين الطرفين تتطور بسرعة ما هي الموجبات التي جعلت تركيا والعالم الإسلامي يتعانقان من جديد؟

 

الحكومات التركية هي في تقديري من عاشت عزلة عن العالم الإسلامي أما الشعب التركي فضل دائم التواصل مع امتداده التاريخي العقدي ومؤسسة الخدمة كما أعرف مؤسسة تربوية خِدَمية شعبية ومن هذا المنطلق كانت الخدمة معبرة عن توجهات الشعب التركي نحو أمته وقامت ببناء جسور لا يستهان بها في سبيل التقارب الإسلامي التركي ، وأعتقد أن أول المستفيدين من هذه الأنشطة هو حزب العدالة والتنمية ، لأن المواطن في الدول المسلمة لا يعرف الفرق بين الحكومة التركية والجماعة فهو ينسب كل شئ للدولة التركية ، ومما أتعجب له بعض الأخبار التي وردت في سعي الحكومة التركية لإغلاق بعض أنشطة جماعة الخدمة في العالم ، وهذا من الأمور التي تدعونا للإسراع في حث المنظمات الإسلامية لجعل قضية الخلاف بين حزب العدالة والخدمة على طاولة البحث . 


التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.