آخر الأخبار
كتبه الأستاذ خالد الغليقة
من أهم ركائز التنمية والتحديث في المجتمعات ! في نظر مفكّرَيْنِ سعوديَّيْنِ كبيرَيْنِ: غازي القصيبي ومحسون جلال
المقدمة:
لا شك أن أي دولة تنشد لنفسها التنمية الممتازة، التي تحقق لها سيادة سياسية واقتصادية ممتازتين. ولا شك أن لكل دولة مقوماتها وإمكانياتها التي تساهم في تحقيق ذلك. ولا يمكن لهذا الأمر أن يتحقق كما سيمرّ معنا من دون مراعاةٍ لهذه المقوّمات وتلك الإمكانيات، وكيفية تطويع التنمية لتكون عونًا ومساعدًا لها ورديفًا معها، فلا يمكن لأي دولة تريد أن تحقق التنمية بأسرع وقت وبأقل خسارة وبنجاح باهر، وهي تسبح ضد تيار تلك المقوّمات وتلك الإمكانيات.
وأهم تلك المقومات والإمكانيات هو الفرد أو المواطن نفسه، فهو الجزء المهم والأساسي في عملية التنمية، فكلما كان منسجمًا معها سارت بنجاح أكثر وبأقل خسارة وبأسرع وقت، ولا يمكن أن يكون هناك انسجام بين التنمية وبين المواطن إلا بمعرفة حياته ودراستها وما يتصل بها من دين وأخلاق وعادات وتقاليد، حتى يسير مع عملية التنمية جنبًا إلى جنب، وحتى يشعر بأن هذه العملية تمثّله وهو يمثّلها، فهي تمثّل روحه ودينه وأخلاقه وعاداته وتقاليده، وستكون نتيجة ذلك الولاء لها والاعتزاز بها والدفاع عنها . وهذا من أكبر عوامل نجاح التنمية بخلاف ما لو كانت هذه العملية التنموية قادمة من الخارج، ورأى المواطن فيها أنها تريد أن تهمّش دينه وتخلخل أخلاقه، وتباعد بينه وبين عاداته وتقاليده، فستكون النتيجة البراءة منها، وقد يتطوّر الأمر إلى الصراع معها، ومن ثم الفشل وإهدار الوقت والجهد والمال.
وممن رأيت أنهم أجادوا في شرح هذا الموضوع في بلادنا العزيزة (المملكة العربية السعودية) بعبارة واضحة وصريحة وسلسة، ومن دون إزعاج القارئ بإقحام مصطلحات قد تخفي على غير المتخصصين المراد والمقصود؛ هما: الدكتور غازي القصيبي، والدكتور محسون جلال (رحمهما الله تعالى). فإليكم مقالتيهما، وليس لي إلا وضع بعض العناوين لهما.
فقد كتب الدكتور غازي القصيبي :
١- التحذير في مشروعات التنمية وبرامجها من الأفكار الدخيلة علىديننا وأخلاقنا، والأساليب المستوردة من خارج هويتنا وقيمنا ولغتنا،ومحاولات مسخ الهوية الوطنية وطمس تميّزنا بها.
يقول القصيبي: “إن التنمية، في محصلتها النهائية، وسيلة وليست غاية؛ هي وسيلة نحو الارتفاع بمستوى الإنسان الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي. وما دام هذا هو هدف التنمية الحقيقية، فكل مايؤدي، على أي نحو إلى الإضرار بالإنسان، جسدًا أو روحًا، لا بد وأن يكون عملًا معاديًا للتنمية حتى لو ارتكب باسمها. أي تغيير لا يخدم الإنسان اقتصاديًّا أو اجتماعيًّا أو سياسيًّا أو ثقافيًّا هو تغيير لا علاقة له بالتنمية. من هنا يصبح من الواضح أن المحاولات التي شهدتها، ولا تزال تشهدها، دول كثيرة في العالم الثالث لطمس هويتها ومسخ تميّزهاواستيراد عقائدها وأفكارها هي محاولات تخريبية مقطوعة الصِّلة بالتنمية الحقيقية وهدفها النبيل.
نقد القصيبي لتجربة أتاتورك في تركيا:
قال: بدأت المأساة عندما استقر في الأذهان أن التغيير، في حد ذاته،يعني التنمية. وكان أول زعيم يبدأ هذا الانحراف الفكري مصطفى كمال أتاتورك. تصوّر أتاتورك أن التنمية تعني تغيير هوية تركيا من دولة شرقية إسلامية إلى دولة أوروبية علمانية، وشنّ حربًا ضروسًا على كل ماله علاقة بتراث تركيا وعقائدها وتقاليدها. حرّم أتاتورك على مواطنيه لباس الطربوش، وفرض السفور على النساء بالقوة العسكرية، وألغىالأبجدية التركية التي تستخدم الحروف العربية ووضع محلها أبجدية مكتوبة بحروف لاتينية. حتى في الغرب الذي كان أتاتورك يعبده لم يحارب الدين بالضراوة التي حورب بها في تركيا التي كانت، عبر قرون عديدة، قلعة الإسلام الأولى!
نقد القصيبي لتجربة شاه إيران رضا خان:
قال: نهج الشاه رضا خان، والد الشاه محمد رضا بهلوي، في إيران نهج أتاتورك في تركيا، واتخذت (التنمية) مظاهر مضحكة مبكية يصعب تبريرها من أي منظور عقلاني. منع الشاه استخدام الملابس الإيرانية التقليدية، وأصدر أمرًا بوضع القبعة على كل رأس. منع النساء من ارتداءالعباءات، وأطلق الشرطة في الشوارع يمزقون عباءة أي امرأة ترتديها. عندما احتجّ الناس وتجمّعوا في المساجد أرسل المدفعية لنسف هذهالمساجد.
أمر الشاه بتوطين البدو الرحل رغمًا عنهم. وعندما قاوموا المحاولة أرسلالحملات العسكرية لتأديبهم، وأمر بتسميم آبارهم. منع الشاه تصويرالجمل باعتباره حيوانًا بدائيًّا يرمز إلى التخلف.
من حقّ أي باحث موضوعي أن يتساءل ما علاقة القبعة المفروضة والعباءات الممزقة والآبار المسمومة وصور الجمل المحظورة بالتنمية؟! وهل أنتجت هذه المحاولات الغريبة تنمية تذكر؟ النتيجة الوحيدة لهذه(التنمية) هي ظهور طبقة مسخ…،لم تكن التنمية تستهدف تحسين أوضاع المواطنين الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية، بقدر ما كانت تستهدف تغيير هويتهم وبلبلة انتمائهم.
كانت النتيجة النهائية شبيهة بمأساة الغراب الذي أضاع مشيته القديمة ولم يتعلّم المشية الجديدة التي أغْرَته بترك المشية القديمة. وإذا كانت محاولات طمس الهوية قد بلغت ذروتها مع أتاتورك، فقد كان هناك فيأماكن عديدة من العالم الثالث، أتاتورك صغير يقتفي خطى أستاذه الروحي” (التنمية والأسئلة الكبرى، غازي القصيبي ص24، 25، 68).
٢- من مظاهر النضج التنموي هو أن تديّن المجتمع وتقاليده وعاداته ليست عقبةً أمام التنمية، بل عاملًا مساعدًا في التنمية. وأن تخلف بعضالدول الاسلامية حالة عابرة ليس له علاقة بالعقيدة الإسلامية أو تراث الأمة الأصيل.
يقول القصيبي: “من مظاهر النضج الذي بدأ يدب في فلسفة التنميةالموقف المحايد من التقاليد والأعراف والعادات بدلًا من الموقف القديم الذي كان يتّسم بالعداء الشديد. كانت النظرية القديمة تعتبر كافة التقاليدالتي تسود في مجتمع ما بمثابة عقبة كأداء تعوق التنمية ولا بد أن تزاح من الطريق. أما النظرية الجديدة فتتّخذ موقفًا تحليليًّا موضوعيًّا يدرك أنه في الوقت الذي يوجد فيه عادات تعرقل عملية التنمية فهناك عادات لاتتناقض مع التنمية بل ربما كانت تساعد على دفع عجلتها. وفِي هذاالمجال يشير أحد الباحثين العرب : إن تدين مجتمع ما أو أخذه بنظام الأسرة الكبيرة أو حتى عدم إعطاء المرأة حقوقها كاملة لا يشكل بالضرورة عقبات تحول دون وصول هذا المجتمع إلى التنمية الاقتصادية”
(التنمية والأسئلة الكبرى، ص73).
ويقول أيضًا: “إن عدونا الأكبر هو التخلف، وهذا العدو أخطر علينا من أي غزو فكري قادم من الخارج. إن حالة التخلف التي نعيشها هي التي دفعت بالبعض، في محاولة بائسة للتخلص من التخلف، إلى البحث عن آراء مستوردة من الغرب. إن واجبنا إذا أردنا أن نقاوم الغزو الفكري هو أن نثبت أن تخلّفنا حالة عابرة عارضة لا علاقة لها بعقيدتنا وتراثنا الأصيل”
(عن هذا وذاك،غازي القصيبي ص٣٤).
٣- من أخطاء المخطّطين للتنمية في العالم الثالث أنهم وقعوا ضحية الغزو الثقافي بأن جعلوا استيراد الفكر غايةً كبرى، بدلًا من أن يكون وسيلة صغرى.
يقول القصيبي: “وقعت التنمية – في العالم الثالث- منذ نعومة أظفارها،ضحية الغزو الثقافي، آمن المخططون للتنمية أن أول ما يجب تنميته هوالفكر المستورد، سواء استورد من الغرب الرأسمالي أو الشرق الاشتراكي. بعبارة أخرى: أصبح استيراد الفكر غاية كبرى بدلًا من أن يكون وسيلة صغرى. جاء أنصار الغرب بنظرياتهم الليبرالية يبثونها في المدن والقرى بين الفقراء الأميين، وجاء أنصار الشرق يتأبطون كتب كارل ماركس، ويبشرون نفس الفقراء الأميين بزوال الفقر والأمية. ظلّت جماهير العالم الثالث الفقيرة الأمية ترقب صراع المثقفين هذا يتخذ أشكالًا وديةً حينًا ودمويًّا حينًا آخر. جاءت حكومات وذهبت حكومات، قامت انقلابات واندلعت ثورات، صعدت فلسفات وانهارت نظريات، والجماهير الفقيرة الأمية باقية، تراوح في مكانها، على فقرها وأميتها.
(التنمية والأسئلةالكبرى، ص64- 65).
٤- من الأخطاء الفادحة في عملية التنمية عدم التفريق بين التنمية في مجتمع مسلم والتنمية في مجتمع غير مسلم، فما يصلح لهذا قد لا يصلح للآخر، والمجتمع القبلي غير المجتمع غير القبلي.
يقول القصيبي: “فعلينا أن نتذكر أن التنمية في مجتمع إسلامي تختلف عن التنمية في مجتمع مسيحي أو هندوكي أو بوذي. كما أن التنمية فيالمجتمع القبلي غيرها في المجتمع الذي لا يعرف التقاليد القبلية. والتنمية في مجتمع رعوي غيرها في مجتمع المزارعين…؛ من الواضح، مع هذا التفاوت البيّن، أن ما يعتبر مطلبًا أساسيًّا في الدولة (أ) قد يكون مطلبًا فرعيًّا في الدولة (ب). كما أن التقاليد التي تسمح بتحقيق مطلب ما في الدولة (ج) قد تقف عقبة دون تحقيقه في الدولة (د) (التنمية والأسئلة الكبرى، ص77).
٥- من أخطاء برامج التنمية في دول العالم الثالث: النقل المستميت لقشور العالم الأول وبيع هويته الحضارية.
يقول القصيبي :”لم تكن الرؤية صافية، ولم تكن الأولويات واضحة،وتحوّلت التنمية إلى مجهود مستميت لنقل قشور العالم الأول. بلا شعوربالمسؤولية، يبدو أن العالم الثالث مصرٌ على بيع هويته الحضارية،وثروته المادية، مقابل ناطحات سحاب، ومستشفيات حديثة لا تخدم سوىالصفوة من ساكني المدن، وتقنية تشترى بديون باهظة تعكس كالمرآةصور الحضارات البعيدة التي صنعتها. أما عن أولئك البشر البعيدين عنالخدمات الحديثة فإن النمو الاقتصادي بالنسبة إليهم لا يعني سوى وعاء من البلاستيك، وأقمشة رخيصة رديئة، ومبان مؤقتة واهية، وديون خارجية متزايدة”
(التنمية والأسئلة الكبرى، ص25).
٦ – إن القادة الحقيقيين المرتبطين بروح الشعب ومشاعره يدركون إدراكًاغريزيًّا أن التنمية لا يمكن أن تتم بقرار فوقيّ يفرض على الجماهير من أعلى، ويتجاهل احتياجاتها وعاداتها وتقاليدها.
يقول القصيبي: “إن القادة الحقيقيين، المرتبطين بروح الشعب ومشاعره يدركون إدراكًا غريزيًّا أن التنمية لا يمكن أن تتم بقرار فوقي يفرض علىالجماهير من أعلى، ويتجاهل احتياجاتها وعاداتها وتقاليدها…، ولنا أن نتذكر أن أنديرا غاندي دفعت الثمن باهظًا عندما تناست مؤقتًا حكمتها – الصبر والإقناع بدلًا من الفرض بالقوة وحاولت (حث) الرجال على قبولالتعقيم كجزء من حملتها لتنظيم النسل. كان هذا من أهم أسباب سقوطهافي الانتخابات “(التنمية والأسئلة الكبرى، ص27- 28).
٧- من ركائز التنمية في المجتمع المسلم العلم بأن في دين المسلمين وشريعتهم ما يغنيهم عن استيراد الإصلاح من الخارج.
يقول القصيبي :”هذه الجولة القصيرة في كنوز السنة النبوية ليست سوى دعوة أقدمها إلى باحثين آخرين ليقوموا بجولات أعمق وأوسع،تنتهي كلها إلى الهدف المرجوّ؛ وهو أن يقتنع المسلمون الراغبون فيالإصلاح، بقلوبهم لا بألسنتهم، أن في دينهم ما يغنيهم عن استيرادالإصلاح من الخارج .
(ثورة في السنة النبوية، غازي القصيبي ص7).
٨ -إن سبيلنا الإسلامي القويم لا يتطلّب منّا في مجال التنمية ما تطلبه الرأسمالية المتطرّفة من أتباعها، من استغلال للنساء والأطفال والعمّال، ولا ما تطلبه الشيوعية من أتباعها من إذلال وقهر وكبت.
يقول القصيبي: “إن سبيلنا الإسلامي القويم لا يتطلّب منا ما تطلبتهالرأسمالية المتطرفة من أتباعها ولا ما تتطلبه الشيوعية الغاشمة منالواقعين تحت نيرها الجهنمي.
الإسلام يعترف بحقوق الفرد كما يعترف بحقوق المجموع، ويرفض أن يخنق الفرد ويقضي على مقومات إنسانيته في سبيل بناء جنة مزعومة على الأرض لم تتحقق ولن تتحقق. إن تنميتنا اليوم تتم بطمأنينة وسلام، دون استغلال للنساء والأطفال والعمال الذي شهدته الرأسمالية قبل أن تهذّبها التجارب المريرة، ودون أن تشهد الكبت والقهر والإذلال الذي يحتضن كل جانب من جوانب التنمية في ظل الشيوعية، تتم ضمن مجتمع يؤمن بتآخي الطبقات لا بحربها وبحرية الفرد ضمن مصلحة المجموع، لا بانعدام حرية الفرد وحرية المجموع .
(كتاب التنمية وجهًا لوجه،غازي القصيبي ص47).
٩- على الجيل الذي سيقود التنمية أن يتحلّى بالصفات التي تحلّى بها جيل الآباء العظيم: العنفوان، والقوة، والصبر، والإصرار، لا المياعة الدخيلة على بيئتنا ، والموضات المستوردة والتي تعارض كل منطقسليم، وللأسف إن صار هذا هو التمدن الحقيقي عند كثير من البسطاء،والحل هو التجنيد.
يقول القصيبي: “إن أخشى ما أخشاه هو أن نكون خلال عبورنا منعصر القلة إلى عصر الوفرة أضعنا بعض الصفات التي تحلى بها جيلالآباء العظيم: العنفوان والقوة والصبر والإصرار. إنني أشعر بكثير منالقلق، وأنا أشاهد بعض أبناء الجيل الجديد يتسكّعون بسياراتهم صباح مساء، متزينين تزين النساء لا يكادون يحسنون شيئًا سوى العبث بأجهزة التسجيل والفيديو، وأرجو أن يأتي قريبًا اليوم الذي يفرض فيه على كل شاب في المملكة أن يخدم وطنه في معسكرات الجندية يتعلّم منها الرجولة والانضباط والخشونة”
(التنمية وجهًا لوجه، ص48).
وقال: “هناك في الحضارة الغربية جوانب لا بد لنا من رفضها رفضًا تامًّا،لا لأنها تتناقض مع بيئتنا الشرقية فحسب، ولكن لأنها تتعارض مع كلمنطق سليم. من هذه الجوانب موضوع الأزياء والموضات. من السخف أنتسارع نساؤنا إلى نقل كل بدعة يخرج بها مصممو الأزياء في باريس لترويح منتجاتهم، ومن السفه أن يحاول رجالنا تقليد آخر تقاليع الأزياء الإيطالية. والمؤلم أن هذه الناحية بالذات هي الناحية التي برعنا في نقلها من الغرب، وهي الناحية التي تمثّل في نظر كثير من البسطاء الوجهَ الحقيقيَّ للتمدن الغربي .
(كتاب عن هذا وذاك، غازي القصيبي ص٣٥).
ويقول: “يتخذ – الغزو الثقافي – شكل بنطلون (جنيز) أزرق يتحوّل، فجأة ، إلى الزِّيّ الرسمي لكل المراهقين في كل مكان ( ولأكثر المراهقات! ) يتخذ الغزو الثقافي – باختصار -، شكل الرغبة الجارفة المشتعلة في تقليد الحضارة السائدة في لغتها وملابسها وعادتها وحتى بذاءاتها .
(الغزو الثقافي ومقالات أخرى، غازي القصيبي ص٨).
نأتي هنا الى ما كتبه الدكتور الاقتصادي التنموي محسون جلال .
في البدأ من هو محسون جلال ؟
في توطئة كتاب (زراعة البترول) وهو جمع كل مقالاته وابحاثه وحوراته يقول حمادي الساحلي 🙁 يعد الدكتور محسون بهجت جلال في العصر الحاضر من أبرز الاقتصاديين في المملكة العربية السعودية خاصة ، وفي الوطن العربي عامة ، وهو رائد من رواد التنمية الصناعية السعودية وواحد من الاقتصاديين العرب الذين آمنوا بمبدأ التكامل الاقتصادي العربي وأسهموا في تجسيمه بعيدآ عن الاضواء …) كتاب زراعة البترول ص ٥
ويقول غازي القصيبي تحت عنوان : هذا الكتاب ويقصد كتاب زراعة البترول 🙁 أكتفي بأن أقول لكم شيئين : كان محسون جلال أول اقتصادي سعودي تبنى خيار التصنيع . و أول اقتصادي سعودي شرح أوليات التنمية . وقد سمى التنمية ” زراعة البترول ” ويقصد بزراعته تحويل عائداته إلى مؤسسات تدر دخلآ – وكان ما كان – )
نعود إلى ما كتبه الدكتور محسون جلال عن الموضوع نفسه :
( لئن كان استيراد رأس المال والخبرة مجدياً إذا قابلة التصميم و العزم الأكيد من قبل أبناء المجتمع إلا أن استيراد الفلسفة الذي تتم في إطارها عملية التنمية لن يكون مجدياً على الإطلاق. فالإطارالفلسفي للتنمية الاقتصادية يجب أن يكون مستمداً من داخل المجتمع نفسه . فلقد نمت إنجلترا في إطار فلسفي تجاري ونمت الولايات المتحدة في إطار فلسفي رعوي ونمت اليابان في إطار فلسفي إقطاعي . لماذا إذن لا بد أن يكون الإطار الفلسفي لنمو الدولة المتخلفة دخيلاً عليها ؟ إن مانخلص به من تجارب التي مرت بها العديد من الدول المتخلفة أنالفلسفة المستوردة مآلها الفشل ، ولا محالة . ومن الخطإ أن يقال إن هناك خطين فقط أحدهما شرقي والآخر غربي . وإذا ما قلبنا النظر حولنا سنجد أن من استورد الخط الشرقي يتخبط يميناً ويساراً ، كما أن من استورد الخط الغربي لا يقل تخبطاً. وإذا ما أراد الأول أن يحقق النجاح فإن ثمن ذلك هو التضحية بالكرامة الإنسانية ، وإذا ما أراد الثاني أن يحقق النجاح فإن ثمن ذلك هو الانحلال الخلقي في المجتمع . لقد رفضت كثيرمن الدول فلسفة الحرية الاقتصادية ، واحلت محلها فلسفة التوجيه الاقتصادي ، ومع هذا لم تنجح . ورفضها للأول يدل على عدم جدواه ، كما أن عدم نجاحها مع الثاني يدل على عدم جدواه …
إن الخط الأمثل للمجتمع هو ذاك الذي يأتي من داخله متمشياً مع دينه وعاداته وتقاليده . أما كيف توضح معالم هذا الخط في عصر الآلة والذرة والذهاب إلى الأقمار ، فإنه أمر يحتاج إلى اجتهاد علماء المجتمع ورجالاته لأنه يتطلب البحث والدراسة وتبادل وجهات النظر حول هذا الاجتهاد . وكل هذا يحتاج إلى تأييد وتدعيم كبيرين . لا بد أن يكون باحثو هذه الموضوعات أفرادآ من داخل المجتمع ، وليسوا مستوردين منخارجه . فالمستورد من الخارج إما أن يكون شرقيا أو غربيآ ، وفي أيالحالتين هو يحاول بيع فلسفته على الدول المستوردة . وبالنسبة لنا فيالمملكة العربية السعودية فإن تحديد الإطار الفلسفي للتنمية الاقتصادية يحتاج إلى دراسة واجتهاد . والكاتب الحالي لا يستطيع أن يدلي بدلوه في حينه ولكل مجتهد نصيب . وهناك اعتبارات رئيسية يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند تحديد الإطار الفلسفي لتنمية اقتصادنا :
أولآ : نحن دولة إسلامية ، وهذه الحقيقة تستوجب أن يكون إطار التنمية متمشياً مع تعاليم ديننا الحنيف ، وأي خروج عن هذا سيعني الفشل الذريع لكل محاولات التنمية . نحن لا نريد أن نكون كالشرق الذي رفض دينه بأكمله ، ولا كالغرب الذي حور دينه ليخدم دنیاه . ولا أرى مسلماً يقبل إحلال تعاليم کارل مارکس ولينين محل تعالیم الله ورسوله عليهالصلاة والسلام ، كما أنني لا أرى مسلماً يقبل بإحلال تعالیم آدم سميث وريكاردو الأصلي منها أو المشوه محل تعاليم القرآن والحديث . لا أرى مسلماً يقبل التضحية بالكرامة الإنسانية ، وقد كرمه الله أو أن يقبل بالانحلال وقد نهاه الله عنه .
.
ثانيا : نحن عرب ، ومع أنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى ، إلا أن العربي طبائعه وخصائصه المسلكية المميزة سواء بالنسبة للصفات الشخصية أو فيما يتصل بالعادات العائلية والاجتماعية. فلقد خلقنا الله شعوباً مختلفة وقبائل متعددة لكل منا خصائصه و طباعة .
ثالثا : نحن لسنا دولة إقطاعية كما أننا لسنا دولة زراعية فحسب أوتجارية فحسب أو رعوية فحسب ، والهيكل الاقتصادي لبلادنا له مميزاته وله سيئاته ، وقبل هذا له شخصيته المستقلة . وهو يقوم على مزيج من أنواع عديدة من الأنشطة الاقتصادية . ولا شك أن الاعتبار الأول هو أهم الاعتبارات الثلاث . وتحتاج دراسة علاقته بالتنمية الاقتصادية في بلادناوفي البلد الإسلامي عموما إلى مجهودات علمية كبيرة يتعاون فيالقيام بها رجال الاقتصاد المسلمون في أنحاء العالم الإسلامي . ولعلهذه مناسبة طيبة أن يقترح الكاتب الحالي عقد ندوة إسلامية اقتصادية في هذه البلاد يدعى إليها اقتصاديون من مختلف أنحاء العالمالإسلامي ، ويكون هدفها تقديم الدراسات وتبادل وجهات النظر لتحديدالإطار الفلسفي للتنمية الاقتصادية في الدولة الإسلامية ، آخذين فيالاعتبار الثورة التكنولوجية الحديثة والمساهمة الضخمة للآلة في عملية الإنتاج . أما أن يحاول الغرب بيع طريقته في الحياة على الدولالإسلامية ، أو أن يحاول الشرق فرض فلسفته عليها ، وأما أن نتقبل هذاأو ذاك ، فإن النتيجة هي الدخول في ( جحر الضب ) .
الدكتور محسون جلال ، كتاب (زراعة البترول) ص ٥٥
قدم لها واعدها للنشر خالد بن عبدالله الغليقة
التعليقات