لماذا الراجح هو زكاة الفطر قوتا؟

تكبير الخط تصغير الخط

لماذا الراجح هو زكاة الفطر قوتا؟

لماذا الراجح هو زكاة الفطر قوتا؟

في هذه الأيام كمثيلاتها من كل عام يعود الحديث عن زكاةالفطر وهل تكون قوتاً أم مالاً ؟

لكن الحديث هذا العام أخذ بعداً وصيتاً أكبر من كل عام ،وقد بدا لي الكتابة في هذا لإيضاح مسألة لعلها لم تُطْرَق كثيراً .

تلقى الفتوى بإجزاء زكاة الفطر مالاً يُعادل قيمة الصاعرواجاً وقبولاً عند الكثيرين ، وذلك لتعليلها بكونها أنسبللفقراء في هذه الأيام وأرفق بهم ،وأن غالب الناس يُزكُونرُزَّاً حتى يزيد عن حاجة الفقراء ، ومنهم من يلجأُ إلى بيعهبنصف قيمته من أصحاب المتاجر لحاجته إلى المال ، مما يؤكد كون إعطاء الفقير القيمة أنفع له من القوت .

ويُضيف أخرون :أن الاقتصاديين يُقَدِّرون ما يبذله الناسفي بلادنا للزكاة بمائتين وعشرين مليون ريال ، وهذا المبلغ لو قَسَمَته الجمعيات الخيرية على الفقراء لكان  أجدى .

وهذه الحجج وإن كانت أقرب إلى العاطفة فليست أقرب إلىأصول الفقه ، ويُوضِّح ذلك ما يلي :

أن الزكاة بصاعٍ من الأقوات التي أمر بها رسول الله صلىالله عليه وسلم هو منصوص الشرع ، والأحاديث في ذلككثيرة صريحة مشهورة ، أما الزكاة بالقيمة فهي عُدُول عن النص إلى الاستدلال بالحكمة المستنبطة من النص أو إلى العلة المنصوصة وهي الرفق بالمساكين وإغناؤهم عن السؤاليوم العيد .

وهذا النوع من الاستدلال لا يصح المصير إليه إلا في حال العجز عن القيام بما هو مطلوب نصاً ، أما تجاوزالمنصوص إلى حكمته فهو خطأ من وجهين:

الأول : أن المسلمين متعبدون باتباع النص وليسو مُتَعَبَّدين باتباع الحكمة سواء أكانت منصوصة أم مستنبطة ، لكثرة النصوص الآمرة بالاتباع وعمومها ،كقوله تعالى  ﴿ وَماآتاكُمُ الرَّسولُ فَخُذوهُ وَما نَهاكُم عَنهُ فَانتَهوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّاللَّهَ شَديدُ العِقابِ﴾ [الحشر: ٧] وقوله تعالى : ﴿اتَّبِعوا ماأُنزِلَ إِلَيكُم مِن رَبِّكُم وَلا تَتَّبِعوا مِن دونِهِ أَولِياءَ قَليلًا ماتَذَكَّرونَ﴾ [الأعراف: ٣] وقوله ﴿وَاتَّبِعوا أَحسَنَ ما أُنزِلَ إِلَيكُممِن رَبِّكُم مِن قَبلِ أَن يَأتِيَكُمُ العَذابُ بَغتَةً وَأَنتُم لا تَشعُرونَ﴾[الزمر: ٥٥]

وقد عَظَّم الله النصوص الشرعية من أمر ونهي تعظيماً لاينبغي الاستهانة به من أجل آرائنا وعقولنا وتقديراتنا للمصلحة والمفسدة .

واللجوءُ إلى ما يظنه المصلحة قبل العجز عن الامتثال للنصهو أساس العدول عن المصلحة الحقة  ، لأن المؤمن يجب أنيعلم أن الخير فيما اختاره الله تعالى لنا لا ما اخترنا لأنفسنا.

الوجه الآخر : أن الزكاة بالقيمة بدل عن الزكاة بالقوت ،والبدل لا يصح أداؤه إلا مع تعذر المُبْدَل ، فلا يُلْجأ إلىالتيمم إلا مع تعذر الماء ، ولا يُلجأ إلى الإطعام إلا مع تعذرالصيام حيث يُطعِم من لا يُرجى برؤه عن كل يوم أفطره نصف صاع ، ويصوم إذا عجز عن فدية التمتع في الحج والأمر كذلك في كل بَدَل، هذا إذا كان البدل منصوصاً عليه في  الكتاب والسنة كحال التيمم والإطعام والصيام فيالأمثلة المتقدمة، فإذا كان البدل غير منصوصٍ عليه كحالالزكاة بقيمة القوت في مسألتنا هذه ، فهو أولى بأن لا يُعْدَلعن  النص إليه إلا في حال العجز عن أداء المنصوص .

والأمر الأهم الذي تنبغي مراعاته : أن العدول عن النص بدعوى المصلحة ذريعة للعدول عن النصوص بالكلية بدعوىالمصالح ، وذلك أنه لا يوجد أمر شرعه الله إلا وله حكمة ،فمتى أقررنا بجواز العدول عن المنصوص إلى حكمته فيحالة واحدة أو حالتين ، فقد أجزنا العدول عن كل ما شرعالله إلى ما نتصور أنه يُحقق الحكمة منه ، وهذا ما حَذَّر منهالإمام الشافعي رحمه الله من أول كتاب الرسالة إلىنهايتها .

ألا ترى إلى بعض من يُسَمُّون أنفسهم اليوم بالتنويريين يطالبون بإسقاط الحدود لأن الحكمة منها العقوبة وزجر المجرم وذلك متحقق بغيرها كالسجن والغرامات المالية !

ومنهم من يقول إن الحكمة من عدة المتوفى عنها زوجها ، والمطلقة الاستبراء ، وهذا يمكن اليوم بالتحليل ، فيعدل إليه عن العدة لما فيها من حبس المرأة وإيذائها  .

إلى آخر ما يقولون .

بل إن قولنا بترك المنصوص إلى البدل هو حجة أولئك الذين يقولون بتاريخية النص الشرعي وأن النصوص الشرعية بنات ظروفها فإذا انقضت ظروفها انقضى العمل بها ، فهم يقولون :إن الإطعام بالقوت نص تاريخي مناسب لزمانه ،ولا يتناسب مع زماننا !

وأما الحديث عن كون القيمة هي الأرفق وعن الاقتصاديين وما يقولون ، فذلك أيضا أمر ظني ليس قطعياً ، فإن الله تعالى هو الأعلم بالأرفف لعباده ، ولو علم أن القيمة ستكون يوما أرفق لبَيَّنها نبيه إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.

كما أن النصوص لا يعدل عنها إلى الأرفق ولا الأنسب بالعقل ، وقد قال علي كلمته المشهورة:لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهرها .

وقد احتج الاقتصاديون في الجاهلية بقولهم فيما  حكاه الله عنهم (إنما البيع مثل الربا) أي لا فرق بينهما فكلاهما معاوضة مال بمال ، لكن الله لم يَرُد عليهم ببيان الفرق بين العقدين أو بالمصالح المتوخاة من تحريم الربا ، بل أجاب بما هو أبلغ فقال ( وأحل الله البيع وحرم الربا) أي يلزمكم اتباع النص ، عرفتم الفرق أم لم تعرفوا وأدركتم الحكمة أم لم تدركوا ﴿فَمَن جاءَهُ مَوعِظَةٌ مِن رَبِّهِ فَانتَهى فَلَهُ ما سَلَفَوَأَمرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَن عادَ فَأُولئِكَ أَصحابُ النّارِ هُم فيهاخالِدونَ﴾ [البقرة: ٢٧٥]

والذي أراه صواباً هو أن الحكمة والرفق إنما هي في انباع ما نص عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولو تمت دراسة ذلك دراسة اقتصادية عميقة لوجدنا أنه هو الأخْيَر و الأرفق وأننا لو نأملنا الزكاة بالأقوات تأملاً أكثر عُمقا وتخصصا وحيادية سنجد فيها من المصلحة العامة التي قَلَّ من يُبْصِرُها فوق ما في المصلحة الخاصة التي يتحدث عنهاالناس  في هذه الأيام .

وهذا مثال  عن ما يُقال من أن قيمة ما يبذله الناس في زكاة الفطر ٢٢٠ مليون ريال ، ويقولون لو وُزِّعت هذه على الجمعيات الخيرية لتعطيها الفقراء مالاً ، أو أعطيت مباشرة مالاً للفقراء لكان أفضل ، فأقول : لنفرض أن عدد الفقراء مليون إنسان من سعوديين ومقيمين  ، فمعنى ذلك أن نصيب كل إنسان ٢٢٠ريالاً ، ونصيب كل أُسْرة يزيد عنالألف قليلاً ، إذا اعتبرنا متوسط عدد الأسرة خمسة أفراد ،وهذا المبلغ سَيَضِيع أكثره من الفقير في أُمور الترفه وسوء الإنفاق ، وقد رأينا ذلك من كثير ممن يستفتون في مسائل زكاة المال ، فتتعجب من أن بعض من يستفتون ، يقولون:إننا نريد أن نعطِي زكاة المال مالاً لكننا نخشى أنيضيعها الفقراء فيما لا فائدة فيه ، فهل يجوز لنا أن نشتري لهم بها طعاماً؟!

هكذا يستفتون ، والأعجب أنهم في زكاة الفطر التي الأصل فيها  الإطعام يقولون المال أرفق وأفضل .

يطلب الإنسان في الصيف الشتا

فإذا جاء الشتا أنكرهُ .

وختاماً أنصح بلزوم المنصوص عليه من أمر الله تعالى وأمررسوله ، فإنه إنه هو الذي نفعه أعظم من ضرره وليس غير .

د محمد بن إبراهيم السعيدي

التعليقات

رد واحد على “لماذا الراجح هو زكاة الفطر قوتا؟”

  1. يقول غير معروف:

    جزاكم الله خيرا دكتور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.