حوار شؤون خليجية مع د.محمد السعيدي..الجزء الأول

تكبير الخط تصغير الخط

الجزء الأول من حوار شؤون خليجية مع د.محمد السعيدي
http://alkhaleejaffairs.org/c-15218

  • يوجد نقاط وهن كثيرة في المشروع الصفوي يجب استغلالها لأنها كفيلة بإسقاطه
  • صعود الحوثيين واستيلاؤهم على السلطة في اليمن لم يكن مفاجئًا للمتابعين للأحداث
  • الحوثيون يسعون لتوريط السعودية في حرب يمنية لكن المملكة أذكى من ذلك
  • لابد أن نعترف أن هناك تقصيرا مخابراتيا سعوديا في إدارة الملف الإيراني
  • الحزم الأمني في المملكة كان ضروري وتخلله أخطاء

أكد الدكتور محمد السعيدي – الداعية الإسلامي المعروف وأستاذ أصول الفقه بجامعة أم القرى بالسعودية – أن صعود جماعة الحوثي الشيعية المسلحة في اليمن لم يكن مفاجئًا، والمتابع للساحة اليمنية لم يكن يستغرب هذا الصعود، خاصة وأنه خدمته عدة عوامل تاريخية وحالية، مشيرًا إلى أن الحوثيين يريدون توريط السعودية في حرب معهم لخدمة المشروع الإيراني بالمنطقة.

وأوضح السعيدي في حواره الخاص مع “شؤون خليجية” أسباب الصعود الحوثي في اليمن، ومحاولاتهم إشعال الخلافات مع دول الخليج خاصة السعودية، وكيف نجح الذكاء السعودي في تجنب الدخول في حرب باليمن، وأكد أن العرب قادرون عن مواجهة المشروع الإيراني الذي يتمدد الآن في المنطقة، وأن لديهم الإمكانات والإجراءات التي يمكن أن يتخذوها لمواجهة التمدد الصفوي، مطالبًا الدول العربية والإسلامية السنية بالتصدي لهذا المشروع، ووقف التعاون مع الدولة الشيعية لمواجهة تغلغلها للسيطرة على مقدرات المنطقة.

وإلى تفاصيل الحوار..

** بداية، كيف تقرأ الصعود الكبير لجماعة الحوثي الشيعية المسلحة، وسيطرتها على العاصمة صنعاء؟

* الصعود الحوثي لم يكن مفاجئًا أبدًا، والمتابع للساحة اليمنية لم يكن يستغرب هذا الصعود، فقد خدمته عدة عوامل تاريخية وحالية، لكنني سأقتصر على الحالية، والتي يمكن تلخيصها في أربعة عناصر مهمة:

١- اكتساب الحوثي شرعية في الداخل اليمني من خلال القبول به شريكًا في الثورة، وهذا الخطأ يتحمل حزب الإصلاح اليمني جانبًا كبيرًا منه، حيث قبل الإصلاح من أجل هذا التحالف بكل ما مارسه الحوثي من انتهاكات، ولم يقم بإدانتها أو الوقوف في وجهها، ومن ذلك التغاضي عن جريمة الحوثي في “دماج”.

٢- تحالف المؤتمر الوطني – حزب المخلوع علي عبد الله صالح – مع الحوثي ضد بقية المكونات السياسية.

٣- ضعف قيادات الجيش اليمني، بل ضعف بنية الجيش العسكرية واتهام عدد من قياداته بالخيانة.

٤- ترك التجمع اليمني للإصلاح مقاومة الحوثيين ليلة سقوط صنعاء، بحجة كونها مؤامرة مدبرة لاستئصال الإصلاح.

** برأيك، هل تعتقد أنه من الممكن أن يتورط الحوثي في حرب ثانية مع السعودية؟

* الحوثيون هم من يرغبون في توريط المملكة السعودية في حرب معهم، وذلك لأن دخول المملكة في حرب مباشرة في اليمن سيواجه باعتراض كبير من المجتمع الدولي المتغاضي أو المتآمر مع المشروع الإيراني، الأمر الذي سيعني إصدار إنذار للسعودية من قبل الأمم المتحدة للسعودية بالانسحاب، وعندها تكون السعودية في ورطة، حيث عدم انسحابها سيعني إصدار قرار أممي بانسحابها ولو بالقوة، أما إذا انسحبت فهذا يعني ضعفًا شديدًا في موقفها داخليًا وخارجيًا، كما أن انشغالها باليمن سيعني حتما ارتفاع أسعار النفط، الأمر الذي يشكل إنقاذًا لإيران وروسيا من ورطتهما الحالية.

لذلك تحرص السعودية على أن يكون أي تدخل لها تحت مظلة الأمم المتحدة، وهذا ما حملها على المطالبة بتطبيق البند السابع، وقرار مجلس الأمن الذي صدر في حق الحوثي وإن كان قويًا إلا أنه لا يخول أي طرف من الأطراف استخدام القوة، والحقيقة أن المملكة لا تزال لديها أوراق يمكنها استعمالها لإنهاء أزمة اليمن.

** الحديث عن دعم دول عربية للحوثيين من الأمور المتواترة، فهل هناك عواصم عربية تدعم الانقلاب الحوثي؟

* للأسف هذه التهمة أطلقتها بعض دول الخليج ضد بعضها، فهناك من اتهم قطر، وهناك من اتهم الإمارات، وهناك من اتهم السعودية، وفي رأيي لا يوجد دليل مادي مقنع على أي من هذه التهم، كما لا توجد مصلحة لدولة ما في فعل ذلك، لكن بعض الإعلاميين اليمنيين المتعاطفين مع الجناح الإخواني في التجمع اليمني للإصلاح اختار أن يُرَوِّج للخيار الثالث والثاني على اعتبار أن السعودية والإمارات لهما خصومة مع الإخوان في مصر، فكان هذا الترويج للأسف فيه نوع من التشفي والانتقام، لكن دخول الحوثي إلى صنعاء وفرار علي محسن الأحمر للسعودية أكد كذب هذه المقولة، إذ كيف يهرب قائد عسكري محسوب على الإصلاح إلى الدولة الداعمة لخصمه، وبالتالي المعادية له.

** ماذا عن الدور المستقبلي لإيران في المنطقة وهي تتحدث عن سقوط 4 عواصم في يد الشيعة، من بغداد إلى صنعاء، مرورا بدمشق وبيروت؟

* أعتقد الأمر تجاوز ذلك، ففي هذه الأيام هناك من يقول إن إيران استعادت إمبراطوريتها الفارسية وعاصمتها القديمة في العراق، وأنا كمنتمٍ للتوجه السلفي لا أستغرب هذا، وليس جديدًا علي، فمنذ أكثر من ثلاثين سنة ونحن السلفيون نربط بين إيران الخميني والإمبراطورية الفارسية، وقبل ثلاثين عامًا كانت جامعة الإمام محمد بن سعود توزع كتاب (وجاء دور المجوس) على طلابها، وفي احتفالاتها الثقافية، فكان التصدي للمشروع الشيعي الفارسي همًّا ماثلاً أمام المنتمين للتوجه السلفي منذ ذلك الوقت.

وفي الحقيقة دعنا نقول إنه من المؤسف أن العلماء المنتمين إلى الجماعات الإسلامية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، أضعفوا المشروع السلفي منذ ذلك الوقت، حين انخدعوا بإيران وروجوا للخميني في خطبهم ومؤلفاتهم، ثم اشتركوا في مؤتمرات التقريب بين السنة والشيعة، والحق أنهم ساهموا في الترويج للتشيع داخل الوطن الإسلامي من وقت مبكر، كما أسهموا في إخفات الصوت السلفي المحذر وبقوة من المشروع الإيراني، وللأسف تأثر بعض من يوصفون بأنهم مفكرون من جذور سلفية بهذا الطرح المنخدع، وزاد انخداعهم بما يسمى مقاومة حزب الله للصهاينة، وكانوا أداة ترويج له.

وفي ظني أن هذا الانخداع كان سببًا للتهاون السياسي المبكر مع المشروع الإيراني في العراق واليمن ولبنان وسوريا والسودان وتونس، كما أنه وللأسف لم أر كاتبًا واحدًا أو محللاً سياسيًا ممن يتشدق اليوم بالتحذير من إيران يجرؤ على الثناء على الموقف السلفي المبكر.

** وهل تعتقد أنه يمكن تدارك الأمر في الوقت الراهن؟

* لا شك أن هناك نقاط وهن كثيرة في المشروع الإيراني تحتاج إلى الكثير من الضرب في اتجاهها وهي كفيلة بإسقاطه، وأهمها الجبهة الداخلية المتهالكة والوضع الاقتصادي، والرفض العربي الشيعي للوجود الإيراني في العراق، واحتمالية تغير الموقف الأمريكي بعد انتخابات الكونجرس القادمة أو بعد الانتخابات الرئاسية القادمة في الولايات المتحدة، والموقف الأوروبي المختلف عن الموقف الأمريكي من إيران.

** إيران التهمت الجزر الإماراتية وترفض أي تفاوض بشأنها، ثم الجنوب اللبناني وترفض انتخاب رئيس للبنان، وتعلن علانية الدعم العسكري لبشار الأسد بسوريا، فكيف يمكن مواجهة هذا الأخطبوط الصفوي؟

* لعل الجواب السابق تضمن شيئا مما سألت عنه هنا، والذي يمكن أن أضيفه هو أن هناك عقوبات اقتصادية دولية ضد إيران، وللأسف نجد أن دولاً يفترض أن تقف ضد المشروع الإيراني تعمل كرئة تنفس لإيران، فإيران الآن تتنفس عن طريق علاقاتها المالية الضخمة مع تركيا والإمارات العربية، وبالنسبة لتركيا فهو أمر معلن سياسيًا، وباستطاعة الدولة أن توقفه مباشرة، وهو أحد أهم نقاط الخلاف بين جماعة فتح الله كولن وبين الرئيس أردوغان، أما بخصوص الإمارات فهو تبادل تجاري كبير وواضح للعيان، لكنه غير مُقَر سياسيًا.

** وهل تعتقد أن العقوبات الاقتصادية كافية لإيقاف المشروع الإيراني؟

* خنق الاقتصاد الإيراني وسد هاتين الرئتين أمر مهم جدًا كي يتمكن سلاح تخفيض أسعار النفط من إثبات جدواه، لكن دعنا نقول وبكل صراحة إن هناك أيضًا تقصيرا كبيرا في العمل المخابراتي، ولاسيما السعودي الذي يمتلك أدوات قوية يمكنه تحريكها داخل العمق الإيراني، لكن هذا البعد المخابراتي لم يأخذ حظه المطلوب حتى الآن، وأعتقد أن القارئ الفطن يدرك ما وراء كلامي هذا.

** لو انتقلنا للحالة السعودية الداخلية، كيف تنظرون إلى الوضع الحقوقي في السعودية في ظل الانتقادات التي توجهها له منظمات حقوقية دولية؟

* السعودية تمر بحرب على البقاء، لذلك سلكت لصد هذا العدوان الذي يستهدف وجودها مسلك الحزم الشديد، وأعتقد أنه حزم مبرر في الجملة، ونحن جميعًا نعلم أنه لولا هذا المسلك لأصبحت السعودية كالصومال منذ عشر سنوات.

نعم هذا الحزم تخلله الكثير من الأخطاء والتجاوزات وسقط فيه بعض المظلومين، لكن تصحيح الأخطاء ورد المظلوميات قائم على قدم وساق وبنجاح منقطع النظير.

وفي المقابل عانت الدولة من وقوع الظلم الإعلامي عليها بشكل كبير، فمثلاً قالوا إن الموقوفين في قضايا التطرف بلغوا ثلاثين ألفًا، وهم في الحقيقة لم يتجاوزوا في تلك الفترة بضعة آلاف، كما تعلقت الكثير من المطالبات بإطلاق مجرمين محكوم عليهم بمدد مختلفة.

أما المنظمات الحقوقية فمطالباتها كثيرًا ما تتعلق بِحَمَلَة الفكر الصفوي والإلحادي والتغريبي، مما يؤكد أن لهذه المنظمات مشروعها الخاص داخل السعودية.

** هل توافق د. عبد العزيز قاسم (إعلامي سعودي) في قوله إن سجن الحائر خمسة نجوم؟

* حسب علمي فعبد العزيز قاسم لم يقل سجن الحائر خمس نجوم، وهذا من الافتراءات عليه، بل وصف غرف الخلوات الشرعية للمساجين بزوجاتهم بأنها غرف ٥ نجوم من حيث التهيئة والتأثيث، أما السجن فلا يمكن أن يكون ٥ نجوم، لكنه – والحق يقال – في غالب تجهيزاته متفوق على المواصفات العالمية للسجون.

في الجزء الثاني من حواره مع “شؤون خليجية” يتناول الدكتور محمد السعيدي المفكر الإسلامي المعروف، نشأة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وعلاقته بالسعودية وتركيا، والسياسية الخارجية السعودية في عهد الملك سلمان، والعديد من المتغيرات الإقليمية والدولية.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.