حوار في المدينة حول الأنظمة والقضاء والهيئة والليبرالية والإعلام

تكبير الخط تصغير الخط


هذا حوار أجرته جريدة المدينة مع الدكتور محمد السعيدي في حلقتين الاخيرة يوم الجمعة

٢٣/ ٤ /١٤٣٠ هـ

بداية هل يرى فضيلتكم في ظهور هذا الكم الهائل من الفضائيات تأثيرا على الفتوى وهل تحتاج الى روابط أو ضوابط ..وهل يحتاج المفتي الى شروط معينة وهل يحق له ممارسة قواعد وسطية ..خاصة وانه لوحظ ظهور الكثير من الأسماء المجهوله التي تتصدى للفتوى حالياً على الكثير من هذه الفضائيات وخاصة من مصر؟

أن العلماء منذ قديم الزمان قد أشبعوا موضوع الفتوى والاستفتاء بحثاً فلا يخلو كتاب من كتب أصول الفقه من لدن الإمام الشافعي حين ألف كتاب (الرسالة) في أصول الفقه وحتى يومنا هذا لا يخلو كتاب من بحث موضوع الفتوى وشروط المفتي والمسئوليات المناطة به  وما ينبغي على المفتي أن يفعله تجاه المستفتي من أسئلة لازمة لتحرير الفتوى  .
ولاشك أن توفر الشروط التي ذكرها العلماء في جميع  المفتين أمر نتمناه  لكن السؤال هو: هل هذه الأمنية ممكنة التحقيق ؟
والجواب عن ذلك يظهر من معرفة كون العلماء الأوائل رحمهم الله تعالى وضعوا للمفتين من الشروط الصارمة ما لو التزمنا باشتراطها اليوم  لعزت الفتوى ولأصبح الناس في حرج شديد من أمر دينهم وذلك أنهم اشترطوا في المفتي أن يكون متعمقآً في علم التفسير وعلم الفقه وعلم الحديث عارفآ بأصول الفقه معرفة تامة عارفآ باختلاف الفقهاء وما يؤول اليه هذا الاختلاف محيطاً بما يسمونه علوم الآلة من نحو وصرف , وهي شروط ولله الحمد ليست منعدمة في وقتنا الحاضر لكن اشتراطها في كل من يفتي أمر يوقع الناس في كثير من الحرج ولذلك يتعين أن ينظر في هذه الشروط نظرة جديدة لتكون متفقه مع ما هو موجود في عصرنا  من ندرة العلماء التي هي من بلايا زمننا هذا نسأل الله تعالى أن يرفعها , وأسأل الله تعالى أن لا تكون إرهاصا لما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال في الحديث المشهور : (إن الله لا يرفع العلم انتزاعاً ينتزعه ولكن يذهب العلم بذهاب العلماء )أو كما قال عليه الصلاة والسلام .
وقد كتبت في ذلك مقالة كانت قد طلبت مني لموقع الإسلام اليوم . وانتشرت في كثير من المواقع ولله الحمد هنون الموقع لها بـ ((المخرج من فوضى الفتوى)) ومما ذكرته فيها : أننا اليوم نحتاج أن يكون المفتي عالما بالمسألة التي يفتي فيها أو في الباب الذي تدخل فيه هذه المسألة محيطا به إحاطة تامة كما ينبغي أن يكون ملما إلى جانب ذلك بالظروف والأحوال والأعراف المحيطة بالسائل والتي لها تعلق بالمسألة المطلوبة بحيث لو تغيرت لتغير معها الحكم حيث إن تقدير حال المستفتي من الأمور التي لا يستغنى عنها في إصدار الفتوى الخاصة .
• ((مداخلة))هذا الذي تحدث عنه يعني أن يكون هناك مفتون متخصصون في أمور وقضايا الناس كالاقتصاد مثلآ والاحكام الشرعية والعبادات وغيرها من الأمور الحياتية فهذا فعلآ ما تقصدونه  ؟
التخصص في المسأئل من الأمور المطلوبه ولاسيما في هذا العصر . ولعل من المصلحة  أن يكون هناك مفتون متخصصون في مسائل العبادات وأخرون متخصصون في مسائل النوازل الاقتصادية المعاصرة وغيرهم متخصصون في قضايا الأمة العامة التي تتعلق بشان العالم الإسلامي وما يحيط بالأمة من كوارث فالتخصص في مثل هذه الأمور أمر مطلوب , ولكن هل فتاوى الناس في غالبها تجرى في هذه الأمور؟
بالاستقراء ومن خلال ممارستي اليسيرة  للفتوى ومن خلال سماعي لفتاوى العلماء أجد أن معظم استفتاءات الناس وحاجاتهم  إنما هي فيما يتكرر  في حياتنا اليومية من بيع وشراء وحج وعمرة وزواج وطلاق وأحكام النساء  وغيرها من الأمور المتداولة العروفة , وهذا التكرر الملح لمثل هذه المسائل يجعل من العسير أن نطالبهم في مثل هذه القضايا بالبحث عن المتخصص فيها فقط . فمثلا عندما تسأل امرأة عن مسألة من مسائل أحوال النساء المتكررة لا يصح أن تطالبها بالبحث عن متخصص في مسائل النساء لأننا لو طالبناها بذلك نكون قد أوقعناها بل أوقعنا الآلاف من النساء في حرج فما تسأل عنه من المسائل المتكررة . وإحاطة المفتي بالمسألة التي يفتي بها أمر مطلوب وتشمل هذه الإحاطة إضافة إلى معرفة أقال العلماء فيها ومستندهم معرفة حال المستفتي والبلد الذي يسأل منه , ولا بأس بأن يستمهل المفتي السائل مدة إلى يراجع المسألة إن كانت من غر المسائل المتكررة المتشابهة غالبا بل هذا هو الأليق والأقرب إلى الورع  لا سيما فيمن يبدأ ممارسة الفتوى فإن الاستمهال عليه واجب حتى يحفظ المسائل المتكررة وتتكون لديه الملكة .
• ولكن ما هي الحكمة من معرفة بلد السائل على وجه التحديد  ؟
معرفة بلد السائل إنما يأتي لمعرفة الظروف المحيطة به إذ لابد من المعرفة الإجمالية بالنظم  والأعراف والتقاليد هناك حتى يمكن للمفتي أن يقدم فتواه على وجه يرفع الحرج قدر المستطاع عن السائل  مثال ذلك : أن الأصل الذي يخدمه الدلل هو وجوب تغطية وجه المرأة لكن حين تسأل عن ذلك امرأة من فرنسا فإن المفتي قد يغلب الذهاب إلى القول المرجوح في حقها رفعا للحرج عنها .
.وأذا كان الشيخ لا يعرف أوضاع بعض البلدان فعليه أن يحيل هذا السائل إلى هيئة موثوقة من هيئات الإفتاء التي تعرف أحوال تلك البلاد معرفة جيدة فبالنسبة لي كثيرا ما تأتيني من خلال مشاركتي  في موقع الإسلام اليوم استفتاءات من أوروبا حيث يحرص الكثيرون هناك على أخذ الفتوى من السعودية وهذه حقيقة ولله الحمد فعندما تأتيني قضاياهم ومشاكلهم عبر اسئلتهم فإنني إن لم استطع استيعاب المسألة أحيلهم إلى بعض المشايخ الذين أعرفهم ممن عاش في أوربا أو إلى المشاركين في المجلس الإسلامي للفتوى في أوروبا ويتولى القيام على أموره بعض العلماء وطبة العلم الأفاضل  وكذلك قد يتصل بالمفتي  سائل من الباكستان يسأل عن أنهم وجدوا شخصا مقتولا بين قريتين فإذا  رجعنا الى الحكم الشرعي الذي نص عليه الحديث النبوي الشريف _حديث الرسول (صلى الله علية وسلم)_ فإن الحكم هنا للقسامة وهي أن يحلف أهل القريه المشكوك في أمرها خمسين يمينآ أنهم لم يقتلوه ولا يعرفون قاتله أو أن يحلف أولياء المقتول خمسين يمينا على من يتهمونه , لكن القسامة فضلا عن كونها قضاء وليست فتوى لا يثق المفتي من إمكاتية تطبيقها في تلك البلاد ولا يعلم مقدار ما يمكن أن تسببه فتواه لو أفتى بها من الفتن .
واذاعدنا الى موضوع فتاوى الفضائيات  فمن أبرز عيبوبها  أن المفتي لا يستطيع معرفة كل ما يتعلق بأحوال المستفتي .

ولاا يفوتني أن أنبه إلى مسئولية المستفتي . فأقول أنه يجب أن تكون هناك توعية إعلامية وشرعية  فأجهزة الإعلام والمدارس للجنسين عليها واجب توعية المستفتين بواجباتهم فالمستفتي لم يجرده الله سبحانة وتعالى من العقل ولم يجرده أيضآ من المسئولية فمن واجبات المستفتي : أن يتحرى عمن يستفتية وهذا للأسف لا نجده كثيراً في المستفتين , فكثير من المعتمرين على سبيل المثال إذا وجد رجلا ملتحيا وظن فيه الخير سأله عن بعض ما قصر به في عمرته وقد يكون ذلك الرجل جاهلا بالأحكام لكنه يتجرأ زيادة في الجهل فيفتيه على غير وجه الصواب , فمن المخطئ هنا ؟ قد يقال : كلا الرجلين مخطئ , ولكن أقول إن خطأ السائل أعظم لأنه لم يتحر من يسأله مع أن هناك في الحرم المكي  الكثير من الأماكن المعروفه للمفتين , وهناك ايضآ هاتف خاص يعمل يومياً من الساعه الخامسه عصراً إلى العاشرة مساءً يومياً بفريق من المتخصصين
” لا لحصر الفتوى..ولكن”
•كأني بفضيلتكم تريد أن تشير إلى موضوع قصر الفتوى في مجموعة محدده كهيئة كبار العلماء مثلا أو غيرها فماذا تقول؟
    نحن أذا حصرنا الفتوى في هيئة كبار العلماء فأننا سوف نوقع الناس في حرج .. ولكن ينبغي أن تحصر الفتوى في المشهود لهم بإمكانية الفتوى من الموهوبين من حملة الشهادات العليا في الشريعة وهم كثير عندنا ولله الحمد موفقين في ذلك.. وينبغي أيضاً على حملة الدكتوراه في الشريعة أن يمارسوا الفتوى حتى تعزز لديهم  ملكة الإفتاء التي لا تأتي إلا بالممارسة ,والممارسة  لا يغني عنها شئ  حتى التفوق العلمي لا يغني عن الممارسة  والتقنية الهاتفية الحديثة تمكن من أن يتعود المفتي على الفتوى دون أن يجد في ذلك حرجا شرعيا وذلك بأن يقوم باستمهال المستفتين حتى يبحث في الموضوع  وإذا استمر على هذا الأمر فترة من الزمن حفظ جملة المسائل التي يكثر الابتلاء بها .
ومن واجبات المستفتي أيضاً أن يقوم بالبحث في المفتين عن أهل الديانة والأمانة وعن من يجد أنه أكثر عملا  بعلمه . فمن كان يتصدى للفتوى وهو  مقصر في عمله وفيما بينه وبين الله كمن لا  يحضر الجماعات وعليه بعض المخالفات الظاهرة فعلى المستفتي أن لا يتعجل في سؤال مثل هذا لأن المفتي من سماته الديانة , كما أن من سماته الورع وذلك بالابتعاد عن الخلافيات وخوارم المروءة  الورع وتظهر أهمية الورع من حيث كونه يجعل المفتي أبعد في فتواه عن اتباع الهوى .
“مسئولية أصحاب الفضائيات”
• وأصحاب هذه الفضائيات أليس عليهم مسؤولية تجاه هذا الأمر ؟
لا شك في ذلك ومن مسئولياتهم التحري في استضافة المفتين والتحري أيضا في اختيار مقدم للبرنامج من طلاب العلم الذين يستطيعون مساعدة المفتي على فهم السؤال والاستفسار من المستفتي عما يخدم القتوى .
•هل ترى أنه يجب على وزارات الأعلام في الدول العربية والإسلامية باتجاه هذه القنوات الفضائية ؟
في الحقيقة لا أعرف شيئا  عن أنظمة وزارات الإعلام لكنني أجد أن هذه الوزارات لم تقم بدورها في الأمور البديهية ًحيث لم تستطع الحد من  الرذيلة في  الكثير من التلفزيونات  العربية التي تقدم العديد من البرامج المخلة بالدين وبالآداب وبالأخلاق , فكيف يمكن أن تستطيع القيام بعمل دقيق جدا كالحد من فوضى الفتوى في القنوات ولعل الصواب أن نقول إن  الجهات والهيئات الفقهية مثل المجامع الفقهية والمؤسسات الإسلامية الكبرى كالمجمع الفقهي – وجامعة أم القرى – وهيئة كبار العلماء – والمجمع الفقهي في منظمة المؤتمر الإسلامي وموقع الإسلام اليوم فهؤلا عندهم القدرة على ترشيح المفتين وتزكيتهم لأصحاب القنوات الفضائية كما يمكنهم ترشيح مقدمين للبرامج من طلاب العلم 
تعقد المؤتمرات وتصدر التوصيات ومنها على سبيل المثال مؤتمر الفتوى الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي وصدر عنه ميثاقً فهل ترى أن مثل هذا الميثاق قد يعالج المشكلة ؟
أي ميثاق وأي توصيات أذا لم تكن متبناه في سياسات الدول فلا فائدة منها . ولا شك أن الميثاق الذي خرج به المؤتمر  ميثاق متميزً جداً ولاسيما أنه لم يكن متسامحاً مع  قضية الفتوى على الهواء , والأخذ بهذا الميثاق أن لم يجد له إطارا تنفيذيا من الدولة كأن يكون نواة لمشروع نظام تتبناه إدارة البحوث العلمية والإفتاء إن لم يكن ذلك فسوف يبقى مجرد ميثاق شرف  .
•أصدر خادم الحرمين الشريفين مؤخراً قراراً  بتوسيع هيئة كبار العلماء تظم واحدا وعشرين عضواً فكيف تنظرون إلى هذه الخطوة وما فائدتها للمجتمع؟
أولأ أرى أن الإعلام قد تحدث كثيرا في أن هذا يمثل انعطافآ جديدآ وتغيرآ كبيرآ وفي حقيقة الأمر لا يوجد تغير ولا انعطاف  لأن هيئة كبار العلماء ومن نشأتها في عام 1371 تقريبآ كانت تضم علماء  من الذاهب السنيه المختلفة فالشيخ عبدالرزاق عفيفي كان حنفي الذهب والشيخ محمد الأمين  مالكي المذهب والشيخ علوي المالكي كان مالكي المذهب ايضآ وكان الشيخ محضار عقيل  وهو من علماء مكة رحمة الله  شافعي المذهب وكلهم كانوا أعضاء في هيئة كبار العلماء والشيخ عبدالوهاب ابو سليمان كان عضوآ من عام 1413 وهو مالكي المذهب .فلم تخل الهيئة من علماء ينتمون إلى مذاهب سنية مختلفة  .وأمر أخر :أن الهيئة لم يكن في ميثاقها أنها حنبلية المذهب بل هي هيئة تعمل بالدليل وعندما تراجع فتاواها تجد أنهم لا يقولون :قال الإمام أحمد وإنما يقولون قال الله وقال  رسول الله “صلى الله عليه وسلم “وأنا هنا أطالب الإخوة الذين تحدثوا كثيرآ ووصفوا هذا الأمر بأنه انعطاف وتغير تاريخي وغير ذلك من الأوصاف أن يراجعوا فتاوى الهيئة >هيئة كبار العلماء<حيث سيجدون أنها لا تتحدث عن المذهبية أبدآ وإنما تتحدث عن الدليل .وأؤكد أيضآ أنه لم يعهد أبدا عن الشيخ عبد العزيز بن باز أنه قال يومآ إنني حنبلي  بل كان  يتحدث بالدليل دائمآ حتى الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله لم يؤثر عنه أنه قال أيضآ إنني حنبلي  بل حتى عدد أعضاء الهيئة الجديدة ليس مستغربا ولا يعد حدثا فريدا  مع أنه أمر مفيد وله أثاره الايجابية .
هل تعتقد أن هناك تنوعا في تخصصات أعضاء الهيئة
بالطبع أعتقد ذلك وإن كنت لا أحيط بتخصصاتهم لكن الذي أعرفه أن الشيخ عبدالوهاب ابو سليمان  باحث في أصول الفقه ووجوده يثري الهيئة من حيث التأصيل  والشيخ عبدالله منيع له إقبال على القضايا المصرفية والشيخ المبارك إضافة ممتازة ومتابع للنوازل  المعاصرة وقرأت له قريبا بحثا عن البصمة الوراثية    والشيخ صالح الفوزان كان عميدا للمعهد العالي للقضاء وهو من الحافضين لفتاوى شيخ الإسلام بن تيمية  وهو علم من أعلام العلم الشرعي في العالم الإسلامي  وسيفيد في مراجعة المسائل المستجدة على آراء شيخ الإسلام ابن تيمية التي عرفت بمرونتها وفقه عصرهاوفهمها لأحوال المستقتين وايضآ الشيخ صالح اللحيدان  قاض قديم وقدير  ويمكن أن يفيد المجلس فيما هو متخصص فيه من معرفته ما يصلح الناس وما يصلح لهم من فتاوى والشيخ  صالح بن حميد له بحوث ودراسات في رفع الحرج في الشريعة الإسلامية وهو أمر نحتاج النظر فيه في يومنا الحاضر وله أيضآ قراءات في الاستنساخ والنوازل الفقهية المعاصرة وهو ايضآ اضافه عظيمة لتكامل المجلس .
قرأنا لك مقالا في بعض المواقع بعنوان هيئة كبار العلماء مهددة من داخلها , هل ما تزال مهددة في رأيك ؟
كتبت هذا المقال ردا على من قال إن هيئة كبار العلماء مهددة من الليبراليين فقلت : إن هناك بعض الأخطاء في فهم العلماء لمهمة الهيئة وإن استمر هذا الخطأ في فسيستمر التهديد ولذلك آمل من أصحاب الفضيلة أن يعوا أهمية الالتزام بقرارات الهيئة وعدم اخروج عنها إلا بقرار آخر ينسخه وتفصيل ذلك يجده القارئ في ذلك المقال وهو لا يزال متاحا عبر محركات البحث . 
“نشأة وتوسع الليبرالية”
وما هي قصة الليبرالية وكيف  دخلت إلى الدول العربية والإسلامية  ؟
الليبرالية نشأت في أوربا أول ما نشأت قبل ما يقرب من ثلاثمائة عام وهي مأخوذة من كلمة LIBERAL بالأجنبية أي متحرر وكان مبعث نشوئها أن العلماء والأدباء والمفكرين لم يكونوا يستطيعون أن يعملوا  أو يفكروا بحرية لأنهم كانوا يصدمون بالكنيسة التي كانت تحكم بالإعدام على كل من يخالفها . ومعروف ما واجهه جاليليو وكوبر نيكوس من اضطهاد بسبب آرائهم العلمية في الفلك ودوران الأرض والكواكب وكذلك الكثير من الكتاب والفلاسفة لا يستطيعون الإعلان عن آرائهم بسبب خوفهم من الكنيسة ولذلك توجهو إلى التمرد على الفهم الكنسي للكتاب المقدس ولعلهم بهذا التمرد استطاعوا أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه ,
وعند اختلاط المسلمين بأوربا مؤخرا بعد الحملة الفرنسية ظن بعض المثقفين المسلمين أن المسلمين يستطيعون أن يصلوا إلى ما وصل إليه الغرب حين يصنعون كما صنع مفكروه وهو الانفكاك عن الفهم المشايخي للدين وتعاليمه , وقد ساعدهم على هذا الفهم الجمود الفقهي وتحكم البدع في ذهنية علماء المسلمين في عواصم العالم الإسلامي العلمية
إذاً كان لعلماء الدين دور في نشر الفكر الليبرالي ؟
بكل تأكيد فإن تسويغهم للبدع التي أضاعت معالم الدين الحقيقي في القرنين الماضيين في أكثر بلاد المسلمين واستسلامهم للخرافة وبعدهم عن جو الاجتهاد والعودة إلى التفسير السلفي للقرآن كل ذلك قوى حجج الليبراليين وأقنع الناس بطرحهم  إضافة إلى الصدمة الحضارية التي حدثت وجاء الاستعمار ومكن للفكر الليبرالي سياسيآ وجعل أتباعه  هم من يتولى  المناصب وإدارة الأحزاب ورئاستها بل جعلهم الذين يتولون الوزارات أيضآ  وعندما اجتمعت هذه العوامل  شاع الفكر الليبرالي في العالمين العربي والإسلامي وجاءت ايضآ الثورة الكمالية (كمال أتاتورك) وساعدت في التمكين للفكر الليبرالي في بعض بلاد العالم الإسلامي عن طريق تصوير الثورة الكمالية كمخلص جديد .
لكن هذه العوامل غير متوفرة في المملكة العربية السعودية فكيف وصل إلينا ؟
السعودية لم تكن بمعزل أبدا عما يدور في العالم , والصدمة الحضارية هي السبب الأكبر لانتقال الفكر الليبرالي إلينا في المراحل المتقدمة من تاريخ السعودية , وذلك أن من ولد من المثقفين الليبراليين السعوديين في الستينات رأو التقدم الثقافي النسبي في العالم العربي المحيط بنا والمحكوم بالليبرالية السياسة والفكرية فكان هذا أول مبادئ التأثر بهذا الفكر وقادته لذلك نجد أن طلائع الفكر الليبرالي في السعودية كانوا بعثيين وماركسيين واشتراكيين , وذلك من شدة التأثر بالدعاية البعثية القومية في ذلك الوقت والدعاية الماركسية والناصرية , واليوم بعد أن كبرت أعمارهم بدأوا يراجعون الدين ولكن بنظرة ليبرالية , ولعل أبرز مثال لذلك هو تركي الحمد الذي سرد تاريخه الفكري في بعض الصحف السعودية , وقد قام بعضهم بالشتراك في تنظيمات معادية للدين وللدولة في بواكير وجودهم وقامت الدولة بمتابعتهم في ذلك الوقت وإجهاض حركاتهم
والليبراليون الآن ماذا عنهم ؟
الليبراليون الحاليون امتداد لأساتذتهم لكن كل واحد بمفرده له ظروف خاصة ف ي تكوينه لكنهم الآن ينقسمون إلى قسمين
الأول : ليبراليون حقيقيون مقتنعون حقا بالطرح الليبرالي الفكري والسياسي وهؤلاء قليل جدا بالنسبة لمن ينتسبون عندنا لليبرالية ويغلب عليهم الإخلاص لفكرهم واستعدادهم للتضحية من أجله وهؤلاء يمكن مناقشتهم وغالبهم يتمتعون بأخلاق عالية وأدب جم .
الثاني : أهوائيون ومتسلقون على أكتاف الفكر الليبرالي وهم أكثر من يزعم الانتماء للفكر الليبرالي اليوم , وهم وصوليون من سماتهم أنهم يسعون دائما إلى مصادمة المجتمع من أجل إبراز أنفسهم ,ومنهم من كان متطرفا في تدينه لكنه لم يصل عبر التدين إلى ما يصبو إليه من أمجاد فاضطر إلى بيع هذا التدين ليصبح كاتبا ليبراليا مرموقا صاحب عمود يومي ويدعى إلى القنوات الفضائية ليصادم من كانوا إخوانه بالأمس ويتشفى بهم , والحقيقة أن الليبرالية منهم براء , وهؤلاء لا ينفع معهم نقاش لأن صاحب الهوى  لا يتغير حتى يتغير هواه وننتظر من الله تعالى أن يهديهم .
لا يمكن في رأيك أن نعتبر الليبراليين مكون من مكونات الثقافة في السعودية ؟
الليبراليون الحقيقيون رغم قلتهم نشأ فكرهم كما قلنا نتيجة عوامل تاريخية وثقافية سعودية ولذلك يمكن اعتبارهم مكونا ثقافيا لكن هناك فرق بين كونهم مكونا وبين كون فكرهم عنوانا للمملكة العربية السعودية , لا خلاف في أنهم مكون ثقافي لكن الخلاف في كونهم عنوانا ثقافيا لنا , والخطأ اليوم أن الليبرالية تقدم أمام العالم على أنها هي العنوان للثقافة السعودية وذلك عبر تمكينهم من الصحافة السعودية وسيطرتهم على الكثير من وسائل الإعلام , وهذا في تقديري خداع للأمة ينبغي الكشف عنه وتغييره .
لماذا يركز الليبراليون على قضايا المرأة  ؟ وهل المرأة لدينا مظلومة حتى تحتاج الى من ينصفها  ؟
أرى أن سؤالك من شقين أولاً هل المرأة مظلومة في المجتمع السعودي أم ليست مظلومة ؟ والجواب : أن هناك مظالم موجودة على المرأة كما أن هناك مظالم موجودة على الرجل لكن الإشكالية  في أن المرأة لأنها هي الجانب الأضعف  تشعر بالظلم أو يظهر عليها أثر الظلم أكثر من الرجل فمثلاً مشكلة الفقر  نجد أن معاناة النساء منها أكثر ظهورا من معاناة الرجل مع أن الاثنين يعانيان  ومشكلة المرأة أمام القضاء أليس لها مثيل عند الرجل بلى يوجد ولكن مشكلة المرأة دائما تكون أظهر .
  خلاصة القول: إن للمرأة مشاكل وللرجل ايضآ مثلها  ولكن شعور المرأة بها أكبر لأنها هي الكائن الأضعف. ولكن هل علاج هذه المشاكل سوف تأتي بة الليبرالية وتطبيقها بالطبع لا.
ولكن اين يمكن الحل  ؟
الحل يكمن في معرفة سبب الخلل ومن ثم علاجه , والخلل جاء من أخطاء وقصور  في تطبيق تعاليم الإسلام ولو راجعنا حكم الشرع في كل قضية تشتكي منها المرأة أو يشتكي منها الرجل لتقلصت هذه المشكلات إلى أبعد مدى وكان فيها غنى عن  فكر ليبرالي أجنبي عنا , والليبراليون اليوم يريدون ما هو أبعد من المرأة يريدون جعل الفكر الليبرالي نافذا ومهيمناً حتى على وضع الأنظمة  وهذا أمر خطير لأنه سيجعل المجتمع قلقا على مبادئه وأعرافه وبدلا من أن ينشغل المثقفون بالمطالبة بالحقوق على أسس صحيحة ينصرفون إلى المعركة بين الفكر الليبرالي والفكر الإسلامي .
نريد مثلا للحل الإسلامي لمشكلات المرأة ؟
  قضية المرأة والفقر فالحل الليبرالي لهذه القضية هو عمل المرأة حيث يركزون  دائمآً على عمل المرأة وأنها يجب أن تدخل في كافة مجالات العمل ويطالبون بالاختلاط لأن عدمه كما يرون هو السبب في الحد من عمل المرأة  ,وهؤلاء لم ينظروا إلى جذور المشكلة  التي هي  عدم تطبيق الإسلام تطبيقاً حقيقياً فيما يخص نفقة المرأة , فقبل أن نطالب بعمل المرأة كحل لمشكلة الفقر لا بد أن نعلم أن الحل الأول لمشكلة فقر المرأة هو تطبيق إلزام الأولياء بنفقة قريباتهم وزوجاتهم وذرياتهم , فإذا لم يرتفع فقر المرأة بنفقة الولي لعدم وجود الولي أصلا أو لكون الولي غير قادر على الإنفاق لفقره هو أيضا , حينذاك يجب على الدولة ممثلة في وزارة الشؤون الاجتماعية الإنفاق على هذه المرأة حتى يرتفع فقرها , والحقيقة أن إلزام المرأة بالعمل لسد حاجتها وإهمال دور الولي يرسخ الظلم على المرأة ولا يرفعه لأنه يساعد الأولياء على إهمال دورهم واستغلال النساء , كما أنه ظلم للدولة والمجتمع وذلك أن الإحصائيات تؤكد أن عمل المرأة حقق في أكثر وأعظم الدول تقدمآ وهي الولايات المتحدة الأمريكية مشكلة مهمة وهي مشكلة البطالة الحقيقية والبطالة المقنعة لأن الدولة أصبحت ملزمة بتعيين الأولاد و تعيين البنات في  وعندما يأتي أى رئيس فهو ملزم بالمساواة في التعيين مما يجعلهم يعينون أكثر من حاجة الوظائف أو يستغنون عن كثير من الموظفين الرجال والنساء مع العلم أنه حتى في المجتمع الأمريكي الرجل هو من ينفق على المرأة بدافع من الفطرة , وأمامنا أقرب المجتمعات والتي تعمل بالنظام الليبرالي وهو المجتمع المصري نجد أن البطالة المقنعة  التي أدى اليها عمل المرأة في مصر قد أدت وفق أحدث الإحصائيات إلى أن أنتاج الموظف لا يتجاوز  سبعة عشر دقيقة فقط من فترة دوامه كاملاً  فالمكتب قد يوجد به عشرة موظفين نصفهم من الرجال والنصف الآخر من النساء والدولة مجبرة على توظيفهم مع أن أثنين منهم فقط يمكن أن يقوما بهذا العمل وبالتالي لابد وأن تقل الإنتاجية إضافة الى أن كثرة الموظفين كانت من أسباب  ضعف العملة المصرية وتسببت أيضا في مشاكل اقتصادية كبيرة في مصر . اذآ لماذا نبحث نحن عن مثل هذه  المشاكل .  احد كبار الاقتصاديين  الدكتور عيسى عبده رحمه الله وهو من أوائل المنظرين للبنوك الإسلامية وله في ذلك كتاب  (بنوك بلا فوائد) يقول :إذا احتاجت المرأة إلى العمل في مجتمع ما فهذا أول مؤشرات البطالة في ذلك المجتمع …….
*إذاً ترى الحل يكمن في تطبيق الشريعة بشكل أفضل
نعم الحل يكمن في تطبيق الشريعة الإسلامية تطبيقاً صحيحاً ونضع بين الأنظمة ما يخدم  المرأة للمطالبة بحقوقها وبالتالي فلن نحتاج لفكر ليبرالي يجعل المساواة شعارا لمطالبه ونحن نرفض فكرة المساواةهذه لأننا نرى أن عمارة الأرض تقتضي أن يكون هناك مهمة خاصة بالمرأة ومهمة خاصة بالرجل لايمكن لأحدهما أن يقوم فيها مقام الآخر إلا بشكل استثنائي .
 لماذا يتحدث الليبراليون كثيراً عن المرأة ؟
  الليبرالية كما قدمت ترفع شعار الحرية وأوضح نموذج يمكن أن يظلوا دائما وراءه للمطالبة بحريته هو المرأة لأن تحرر المرأة يعني تحرر الأخلاق من كل قيد كما يني تحررها انهيار الأسرة التي تعد في الفكر الليبرالي قيدا من القيود , وهذا هو السبب في استمرار المؤتمرات الدولية لبحث قضايا المرأة والمطالبة بالمزيد من التحرر  في الغرب والشرق رغم أنها  حصلت هناك على كل شئ يطالب به الليبراليون إلا أن المطالبات ما تزال مستمرة ,

•هل ترى أن الفكر الليبرالي يشكل خطورة على المجتمع ؟
نعم .. الفكر الليبرالي كأي نوع من أنواع الإفساد في الأرض  يشكل خطورة على المجتمع إذا أعطي  أدوات التمكين في الدولة والبلاد وهو لا يشكل خطورة على المجتمع وحسب بل يشكل خطورة على بناء الدولة نفسها لأننا نجد أن جميع الحركات الثورية في العالم إنما قامت عن طريق الليبراليين في جميع إنحاء العالم وكانت ثورات دموية وانتفاضات شعبية خطيرة بل إن دعوات  الأجنبي إلى الاحتلال في العالم العربي  والعالم الاسلامي تمت عن طريق الليبراليين
•هل للفكر الليبرالي في المملكة حالياً صوت مسموع ؟
الفكر الليبرالي الآن يتكلم ولكن ليس بالحرية  الكاملة لأنه يخشى من الدولة التي ترفع الشريعة شعارا لها , كما يخشى من سطوه المجتمع المتدين بعمومه  وفي جريدة المدينة تحدث تركي الحمد في يوم الأربعاء الماضي قائلاً أن الليبراليين لا يطالبون بكل ما يستطيعونه ويريدونه لأنهم يخشون من سطوة السلطة الدينية إذاً  بالرغم من هذه المطالبات الخطيرة من الليبرالين  وهذا الصوت المرتفع لهم إلا أنهم لم يطالبوا بكل ما يريدون بشهادة أحد كبارهم وهو الدكتور تركي الحمد
” التوعية مطلب ضروري”
• وماهو موقف المجتمع من هؤلاء الليبراليين . . هل هو حذر منهم .. وهل كشف حقائقهم وأهدافهم أم أن المجتمع يحتاج إلى توعية مستمرة ؟
الحقيقة  أن المجتمع يحتاج إلى توعية مستمرة فهم لا يدخلون إلى المجتمع بطريقة مباشرة بل  يدخلون عن طريق رفع لواء احتياجات المجتمع وهذا هو أسلوب ووسيلة دخولهم إلى المجتمع حيث يلعبون على هذا الوتر الحساس
“تغريب المجتمع”
•من الملاحظ أن الفضائيات تركز على قضايا المجتمع السعودي وكأن البلدان الأخرى ليس بها قضايا .. فلماذا التركيز على المجتمع السعودي بالذات في هذه الآونة ؟
يراد من قبل الأدارة الأمريكية للمجتمع السعودي  أن يغرب أي يصبح مجتمعاً حاملا لقيم الغرب  ولذلك فهناك في إمريكا دراسات كثيرة جداً تقوم بها العديد من المؤسسات لتغريب المجتمع السعودي عن طريق إضاعة ما يسمونه الإسلام المدني الديمقراطي  وهدفهم  في هذا إبعاد الفكر السلفي عن السيادة في المجتمع لأنهم عرفوا أن الفكر السلفي  فكر مقاوم للاستعمار العسكري والفكري والأخلاقي كما هو فكر نهضوي حقيقي وهم يريدون إبعاد المجتمع الإسلامي عن النهضة وابعاده عن الوطنية الحقيقية وتهيئه للاستعمار الفكري كما تصرح بذلك دعواتهم المتكررة للعولمة
والحقيقة أن المملكة تعد من البلدان المتمدنة القلائل في العالم التي صمدت ضد التغريب سنوات طريلة ولله الحمد
.. ومثال تلك المؤسسات التي تدعم الدراسات الساعية لتغرب المجتمع السعودي مؤسسة  “راند” فهي نقوم بدراسات سنوية للمجتمع السعودي  وقد قرأت منها الدراسة التي قامت بها شاريل بينارد وعنوانها (الإسلام المدني الديمقراطي ) وهي منصبة على المجتمع السعودي وليس على الإسلام بشكل عام وكيف تكون وسائل تغريبه نعم هي لم تقل تغريب المجتمع بل قالت انفتاحه ومن ضمن الوسائل التي ذكرتها لتحقيق ذلك الانفتاح: الإساءة إلي المؤسسة الدينية وتشجيع الصحفيين والكتاب للإساءة إليها وتشجيع الكتاب والصحفيين على فضح – كما تقول هي – ممارسات وسلوكيات المشايخ والعلماء وهذه بعض توصياتها لكي تصل الى  تغريب المجتمع أو انفتاحه..
” وسائل التصدي لفكر التغريب “
• إذن كيف يمكن التصدي  لهذا الفكر ؟
إذا أردنا أن نتحدث عن التصدي إلى هذا الفكر فيجب أولاً أن يتم التصدي له من قبل الدولة حيث عليها أن تعي بكافة مؤسساتها وطاقمها أن خطورة هذا الفكر الليبرالي لا على المجتمع وحسب بل على بنية الدولة من أساسها فإذا وعت هذا الأمر فإنها بالتالي سوف تعطي نفوذاً أكبر وقوياً للمؤسسات الثقافية والدينية لفضح وكشف هذا  الفكر كما أنها ستقلص من نفوذ هذا الفكر في المؤسسات الإعلامية والثقافية والتربوية .. والأمر الآخر يأتي عن طريق العلماء  والمشايخ والدعاة فهم مطالبون بأمور كثيرة لعلى أو جزها في أمرين وهما:
تفهم حاجات المجتمع والتصدي للمطالبة بها بدلاً من أن يتركوا التصدي للمطالبة بمثل هذه الحاجات إلى الليبراليين لأننا نلمس  أن الكثير من احتياجات المجتمع الحقيقية إنما يتصدى لها تصدياً كبيراً الكتاب الليبراليون بينما ينبغي أن يكون التصدي لهذه الاحتياجات بمعرفة العلماء والمشايخ أو الكتاب الإسلاميين ومن هذه الأمور التي تصدى لها الليبراليون تصدياً كبيراً  وبوضوح قضايا الفقر وقضايا تقنين القضاء فالعلماء والمشايخ لم يتصدوا لهذه المشاكل كما ينبغي أعني من جهة المطالبة بسن أنظمة لمواجهو هذه المشاكل وبالتالي لم يحملوا لواء المطالبة بالطريقة الكافية .. ولربما تكلموا عنها ولكن بطريقة غير كافية وبعضهم لم يستطيعوا المطالبة  لأن الصحف لا تنشر لهم  وقد اشتكى الشيخ صالح الفوزان بأن الصحف لا تنشر له وهو عضو هيئة كبار العلماء وشكواه كانت علنية ..
وبعض المشايخ والدعاة يرون المطالبة من قبيل المناصحة لولي الأمر ومناصحته ينبغي أن تكون في السر وليس في العلن ونحن معهم في أن قضية مناصحة ولي الأمر يجب أن تكون سراً  في الأمور التي يؤدي النصح العلني  فيها إلى فتنة أما الأمور التي لا تؤدي المناصحة فيها إلى فتنة  وتتكلم عنها الصحافة صباح مساء فلماذا  لا يكتب عنها المشايخ علناً حتى يعلم الجمهور وتعلم الأمة أن علماءها ومشايخها يحملون همها .. فالأمة لا تدخل مع العالم إلى مجلس الملك لتعرف ماذا يقول له وبماذا نصحه وبذلك فإن الأمة لا تشعر بأن هذا العالم يحمل فعلا قضاياها وهمومها  ولهذا ينبغي للعلماء أن يتصدوا لقضايا الأمة التي أذن ولي الأمر بإتاحتها في الصحافة على الملأ  أما القضايا التي قد تسبب حرجاً لولي الأمر أو التي قد تسبب المناصحة العلنية فيها  فتنة  ينبغي على الصحافة من الأساس أن لا تفتح مجال النقاش فيها وهي المادة الأصلية للمناصحة السرية  أما القضايا التي أصبحت قضايا أعلامية تخوض فيها الصحافة صباح ومساء فلماذا لا يقودون هم زمام المبادرة بشأنها
“دور وسائل الأعلام”
• حيال هذا الفكر ماذا تطلب من وسائل الأعلام ؟
بالنسبة لوسائل الإعلام فأنا لا أطالبها بمنع ظهور الفكر الليبرالي فيها ولكنني أطالبها بأن تراعي حق الأكثرية وحق المجتمع الذي لا يرحب بالفكر الليبرالي فلا تظهر هذا الفكر إلا في حدوده الضيقة التي تعبر عن حجمه ومكانته في المجتمع وأن تكون فرصة الرأي الإسلامي هي الأكبر لأن الصحافة يفترض فيها أن تكون واجهة المجتمع ومعبرة عنه لا مصادمة لرغباته وأعرافه  والملاحظ للأسف هو العكس فالخيز الأكبر في الظهور في وسائل الأعلام هو  للفكر الليبرالي ورغبات المجتمع وإرادته ظهورها اضعف .. وهذا التوازن أعتقد أنه هو المطلوب من وسائل الأعلام ..
“المؤسسات التعليمية ودورها”
•ماهو دور المؤسسات التعليمية حيال هذه الأشكالية ؟
الحمدالله أن المؤسسات التعليمية قائمة بدورها وواجبها حيال هذا الموضوع ولا بد أن نثني عليها فالمناهج  الدينية في المراحل التعليمية بالمملكة العربية السعودية  هي أكبر حرب على تغلل الفكر الليبرالي في المجتمع ولذلك نجد أن من أعظم ما يطالب به الليبراليون  ويلحون في المطالبة به  تغيير المناهج لأن هذه  المناهج تشكل  نكبة على أفكارهم ويحاولون أن يوجدوا في هذا المناهج عيوبا مفتعلة وتهم غير قائمة على أساس من دراسات علمية موثوقة وفيها بل الدراسات الجادة هي على نقيض ذلك وأعلم أن هناك لجنة لدراسة المناهج ثم تكليفها  من قبل معالي وزير التربية والتعليم والسابق الدكتور محمد أحمد الرشيد واستمرت في عملها حتى اليوم  لتقويم المناهج باستمرار ولم تجد هذه اللجنة بحسب ما أفاده  بعض أعضائها في مناهجنا الدينية ما توصف به من الشرور من قبل الصحافة والتيار الليبرالي ودوائر البحث الأمريكي  وأقول أن المؤسسات التعليمية ولله الحمد قائمة بواجبها عن طريق هذه المناهج وكذلك جامعاتنا ومما يثلج الصدر أن  مادة الثقافة الإسلامية مادة مقرره في جميع الجامعات السعودية وجميع التخصصات  وهي مادة مدروسة ومكتوبة بعناية إضافة إلى أن جميع الجامعات ولله الحمد تدرس القران الكريم حتى لغير المتخصصين في الشريعة .
وما رأيك في الأسلوب الذي تدرس به مادة اثقافة الإسلامية في الجامعات السعودية ؟
مادة الثقافة الإسلامية على أهميتها تعاني في جامعاتنا وأخص جامعة أم القرى أنها المادة التي يتاح تدريسها لكل أحد بحجة كثرة شعبها وقلة أعضاء هيئة التدريس , وأنا أدعو أن يعلم القائمون على توزيع هذه المادة على الأساتذة أنها واجهة العلوم الشرعية لاسما عند الطلاب غير المتخصصين في العلوم الشرعية فأريد مزيدا من العناية بأستاذ هذه المادة كما أطالب بمتابعة أساتذة هذه المادة على وجه الخصوص في قضايا الحضور وإنهاء المنهج , لأن طلاب الطب مثلا تعد هذه المادة هي نافذتهم الوحيدة للعلم الشرعي فينبغي أن تكون نافذة تعطي رؤية ثلاثية الأبعاد .
“رجال الحسبة في الميزان”
• هل ترى أن ما يتعرض له رجال الحسبة من أنتقادات واسعة في الصحف المحلية هو نوع من هذه الحرب؟
نعم بلا شك هو نوع من ذلك وهو خضوع لهذا التجنيد الأجنبي .. وقد صرح سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية نسأل الله له التوفيق والحفظ بهذا الأمر في أحد مؤتمرات سموه الصحفية وقال أن هناك أناس سوف يأتي الوقت الذي نقطع فيه ألسنتهم  ونشرت  كلمة سكوه تلك في جريدة “المدينة” مشكورة وهي كما أتذكر الصحيفة الوحيدة  التي نشرت هذا اللقاء كاملاً مع انه مع وزير الداخلية وصاحب سمو ملكي ولعل بعض الصحف لم تنشر  مقالته تلك لأنها لا تنسجم مع توجهات بعض من يعملون فيها .
•هل ترى أن هناك أخطاء لرجال الحسبة وتحتاج إلى معالجة ؟
نعم تحدث أخطاء وتحتاج إلى معالجة ولكن الأخطاء في جانب الصواب والخير الذي يتم تحقيقه عن طريق رجال الحسبة لا تذكر ولكن وسائل الأعلام لا تتحدث كثيراً عن الإنجازات التي يحققها رجال الحسبة في مكافحة المخدرات ومصانع الخمور والسحر والشعوذة والدعارة وغيرها.. كلها إنجازات عظيمة جداً لرجال الحسبة وهيئة الأمر بالمعروف والأخطاء بجوارها لا تذكر وهذه الأخطاء أيضاً نحن لا نعتذر للهيئة عنها بل نقول إنها  ينبغي أن لا توجد ولكن ينبغي أيضاً أن لا تضخم فكل الأجهزة لديها أخطاء حتى وسائل الأعلام لديها الكثير من الأخطاء ومما نحمد الله عليه  أنه تبين في أكثر من قضية أذيعت على مستوى الصحافة بشكل كبير وخطير أن الهيئة  مظلومة فيما أفتراه عليها بعض رجال الصحافة ً ولا أريد أن أعدد الوقائع فهي جميعاً معروفة للجميع ومشهورة عندنا .
“تقلص دور الأندية الأدبية “
•الأندية الثقافية والأدبية في المملكة . ما هو تقييمك لها . وهل ترى أنها قامت بدورها نحو الحراك الثقافي في المملكة ؟
قديماً قامت بدورها لإثراء الحراك الثقافي في المملكة أما الآن  فالأندية متقلصة بشكل كبير ومن أسباب ذلك أن غالبية من يترأسون الأندية الأدبية في المملكة الآن ليسوا من الأدباء أذاً استثنينا بعض الأندية فهم ليسوا من الأدباء الكبار الذين يعتنون بالشأن الأدبي والشأن الثقافي والأدباء والمثقفون  هم من يجب أن يترأسوا الأندية الأدبية لأنهم هم المعنيون بهموم  الأدب و الثقافة وبالتالي يستطيعون تحريك الأدب والثقافة , أمر آخر يعيق الأندية عن الإنتاجية , هو أن مجالس الإدارة في كثير منها تنتمي لتيار لا يمثل غالبية الأدباء في المملكة ولذلك يشعر معظم الأدباء أنهم غريبون في هذه الأندية فلا يتفاعلون مع نشاطاتها بشكل جيد .
لكنني أريد أن لا ينتهي اللقاء قبل أن أتساءل عن بيوت الشباب التي زودت في الماضي بالمباني الممتازة والأجهزة الرائعة لكننا لا نسمع لها بدور أبدا في احتواء الشباب وتوجيههم أين هذه البيوت من الحركة التوجيهية للشباب أم اقتصر دورها على كونها فنادق لدافعي الاشتراك السنوي ؟
كلمة تختم بها هذا اللقاء ؟
أشكرك أخي الأستاذ على العميري الصحفي المتألق كما أشكر صحيفة المدينة ولي وقفة قصيرة مع الصحافة السعودية فإنني أخشى أن تسحب مواقع الإنترنت البساط من تحتها ولا بد من أن تقوم بإجراء وقائوبرنامج إعادة حسابات كبير , ولعل من أبرز معالم إعادة الحساب : أن الصحافة قائمة على المجتمع فإن لم يجد المجتمع فيها ما يريده فسوف ينبذها , وأنا متأكد اليوم أنه لولا الاشتراكات الحكومية واشتراكات الشركات لضعف توزيع الكثير من الصحف السعودية بمعدل النصف وهذا مؤشر خطير أعتقد أن من أسبابه شعور المواطن السعودي أن هذه الصحافة لا تمثله كثيرا , كما أن عليها استقطاب الكفاءات الحقيقية للكتابة فيها والبعد عن الأهواء الشخصية في الاستكتابات , فإن الكتاب يكتبون للمجتمع وليس لرؤساء التحرير ونوابهم . 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.