حول علاقة الغرب بالاسلام

تكبير الخط تصغير الخط

د.محمد السعيدي:

أخي الكريم خالد المرسي وفقه الله :

سألت عددا من الأسئلة , وسوف أجيب بوجهة نظري فيها إكراما لسؤالك وإلا فإن الأولى بجوابها هم أحباءنا من المثقفين الذين يسكنون في الغرب ومنهم من يتابع هذه المجموعة , ولكن نأمل أن يحثهم الدكتور عبد العزيز قاسم عل تصويب ما أقوله من آراء بخصوص أسئلتك الكريمة .

سؤالك الأول :

ما رأيكم في اختلاف الناس حول سبب منع الغرب لارتداء الحجاب فمن قائل بأن خوفهم من أسلمة أوروبا وخوفهم على هويتهم الضعيفة أم تواجد هويتنا الشكلية الظاهرة هناك هو الذي جعلهم يتخذون هذا القرار، ومن قائل بأن عيش المسلمين في الغرب على هامش الحياة جعل أبناء المسلمين يُهمَشون اجتماعيًا وتضيع أحلامهم وفاعليتهم الحضارية ومن ثمَّ اتجهوا الى المخدرات والجرائم ومُلِئت بهم السجون الأمريكية مما جعل قرار الغرب بمنع الحجاب ما هو الا تعبير قانوني عن ضيق الغرب بهذه الفئة المسلمة المدمرة للمجتمع والساعية لتخلفه! ما رأيكم ؟!

والجواب أخي الكريم :أن ما ذكرته في سؤالك هي أسباب صحيحة ولعلي أضيف إليها : أن حرب الحجاب في أوربا جزء من حرب أكبر على الجاليات الإسلامية لها أسباب ظاهرة وأسباب مختفية , ولن أتحدث سوى عن الأسباب الظاهرة , وأهمها أن الشعوب الأوربية بدأت تشعر بوجود الأجانب بينهم وأنهم وقد وقع في خلدهم أن هذه الجاليات سبب لكثير من المشكلات التي تعاني منها الشعوب الأوربية من غلاء في المعيشة والسكن وبطالة متزايدة بين الشباب كما أن هذه الجاليات تأخذ منهم كدافعي ضرائب أموال هم أحق بها وهي ما تدفعه الحكومة للاجئين والعاطلين من حاملي الجنسية الأوربية من أصول أجنبية .

كل ذلك ذلك وغيره أيقظ في نفوس الأوربيين مشاعر طبيعية جدا لا يقتصر الشعور بها على الأوربيين وحسب بل جميع الشعوب تشعر بهذه المشاعر حينما تجد أن آخرين ينافسونها الرزق في بلادها .

ما علاقة ذلك بالحجاب ؟

الحجاب رمز لأكبر جالية في أوربا وهي الجالية الإسلامية .

والسياسي في الوسط الديمقراطي يحاول أن يكسب أكبر قدر من الناخبين , وبما أن الشعور العنصري يمكن استغلاله لكسب الناخب الأكثر عددا وأكثر تأثيرا وهو المواطن الأصلي فلا مانع من اتخاذ سائر التدابير للتودد إلى هذا الناخب الممتلئ بالشعور العنصري , ومنها محاربة رموز الأجانب الدينية .

بعض المرشحين بل بعض الأحزاب لا تبالي من التصريح بمثل هذه الأمور أما الأكثرية فإن لهم حساباتهم التي تمنعهم من التصريح بأنهم يدعمون النظرة العنصرية تجاه الأجنبي ولهذا فإنهم يفسرون الحرب على الحجاب بتفسيرات قانونية من أمثال كون الحجاب شعار ديني يتنافى مع القيم العلمانية .

سبب آخر وهو أكثر تداولا وقريب جدا مما ذكرته أخي الكريم في سؤالك , وهو كون الدول الأوربية مهددة بالاضمحلال وسوف تكون الجاليات هي المكون الرئيس للأمم الأوربية ولهذا يجد البعض أنه لا بد من المبادرة لتأريب أو أوربة هذه الجاليات بحيث تذوب في القيم الأوربية .

سبب ثالث : هو الخوف من الإسلام , فقد أصبح الإسلام سريع الانتشار بين الأوربيين الأصلاء , ولما كنت في لوزان قبل عام سمعت أن متوسط الذين يشهرون إسلامهم في هذه المدينة وحدها سبعة كل شهر وهو معدل لا يمكن أن يمر على الساسة الأوربيين مرور الكرام .

هذا بالإضافة إلى ما ذكره سعادتكم من أسباب أعتقد أنها ليست بعيدة عن الواقع .

أنتقل إلى سؤالك الثاني :

وما رأيكم فيمن يقول أن الفهم المنضبط لحالة الغرب يحتاج لعلم مستقل اسمه ” علم التغريب”؟، وفي حال عدم وجود مؤسسات ترعى هذا العلم وتطبقه، فما هي الضوابط التي تجعلنا نتعامل بشكل أقرب الى العلمية مع المعطيات الناقصة التي نُحلل بها حالة الغرب؟

وجوابه : أننا حقا نحتاج إلى تخصص في فهم الغرب , لكننا لا يمكن أن تنوقف عن الحديث عن الغرب حتى نجد متخصصين في فهمه , وذلك لأن الكثير من معطيات الأحكام على المجتمعات الغربية متوفرة بشكل كبير جدا .

فالغرب هو أول من يقدم نفسه لنا نفسه لنفهمه ,فمعاهد الإحصاءات في أكثر دول الغرب يمكن الدخول إلى مواقعها الإلكترونية وأخذ إحصاءات دقيقة ومتجددة أو نسب تقريبية عن كل شئ تريد معرفته

سواء من محاسن الأخلاق أم من مساوئها

فكما تجد إحصاءات عن عدد المنتفعين من الجمعيات الخيرية من الفقراء وعدد العاملين في مجالات التطوع وعدد المؤمنين بالله وعدد الملحدين وعدد المؤمنين بالمسيح وعدد ملاك المنازل وعدد سكان الرصيف , وتجد أيضا إحصاءات عن عدد الجرائم ونسبتها ونوعية القائمين بها , وعدد الأرامل والمطلقات ونسبة الطلاق وأسبابه وعدد المومسات الرسميات وعدد المومسات الاتي يعملن بشكل غير رسمي ونسبة النساء اللائي يقمن بخيانة أزواجهن ونسبة الرجال الذين يفعلون الشئ نفسه …..إلخ .

هذا بالإضافة إلى أن كثيرا من القصاصين الغربيين يصورون مجتمعاتهم بصراحة وكذلك كتاب الرأي وكثير من الأفلام الغربية .

فحينما نستشهد بنجاح أو فشل تجربة ما في الغرب فإننا لا نتحدث عن غائب فكل شئ مكتوب .

لكننا نشتكي بصراحة من أبنائنا المبتعثين وقلة عنايتهم بالكتابة عن المجتمعات التي عاشوا فيها , ولو أن كل مبتعث عربي قدم تجربته ومشاهداته على شكل مقالات تنشر في الإنتر نت لحصل لنا من الثراء المعرفي بالغرب ما لا يخطر على بال .

والعجيب أن الغرب يأخذون من كل لاجئ معلومات دقيقة عن مجتمعه الذي جاء منه ويحفظون ذلك في أرشيف أجهزة الاستخبارات يحتفظون بها لحين الحاجة .

أما سؤالك الثالث

فأنا للأسف لم أقرأ كتاب دراز

لكن ما فهمته أنت منه لا يتعارض ومقالتي , فالغرب بعد ثورته على الكنيسة انقلب أيضا على نظرية أرسطو في الأخلاق والتي كانت مقدسة عند الكنيسة أيضا ومحصلتها أن الأخلاق يجب أن تكون مستمدة من رغبة الإنسان في الحصول على السعادة.

وحل محل نظرية أرسطو عدد من النظريات منها ما نادا به ديكارت ومن بعده كانت حول الأخلاق الفطرية وقد لخصها كانت في كتابه تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق , وهو ينتقد نظرية أرسطو ويرى أن الأخلاق لا يمكن ربطها بحاجة الإنسان أو طموحاته بل لا بد أن تكون مرتبطة بشئ قبل ذلك أي قبل الإنسان وحاجاته ولا ينبغي أن تكون الأخلاق مطلب نفعي يتوصل به إلى أمر آخر .

على عكس كانت كان هيوم الذي ادعى بأن قيمة الأخلاق تعود لما تبعثه في النفس من لذة أو تقدمه لهم من خير ولذلك فلا يوجد أخلاق مستقرة بل ما هو خير اليوم قد يكون شرا غدا باعتبار منفعته للناس أو عدم منفعته لهم .

وجاء سبينوزا وأسس لمفاهيم جديدة في الأخلاق وعلاقتها بالدين والحرية الشخصية وذلك في كتابه علم الأخلاق .

وجاء فرويد وأسس كل شئ حتى التاريخ على أساس العقدة من الذنب ….

المهم أنه جاءت نظريات عدة رسخت لجعل الحرية في العقلية الأوربية بمثابة الدين بل لعل الحرية هي القيمة الأعلى عندهم أو هي الشئ المقدس في تراثهم ولهم في الحديث عن تفسير الحرية وحدودها ومقاصدها كلام طويل يمكن سبرها بيسر وسهولة في كتاب الدكتور كريم متى عن تاريخ الفلسفة , أو كتاب الدكتور محمد المرزوقي عن الليبرالية .

ولك أخي خالد خالص التقدير

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.