(١)

شعار التنمية هي الحل بين السلفية والليبرالية العربية (١/ ٤)

تكبير الخط تصغير الخط

                                   (١/ ٤)

التنمية هي الحل، ومن ذا الذي يُمكن أن يُخالف في ذلك إذا علم أن مصطلح التنمية مرادف لمصطلحٍ قرآني هو الاستعمار في الأرض الذي هوالغاية من خلق الإنسان على هذه البسيطة؛ لأن الغاية المطلقة من خلق الإنسان هي الاستعباد لله وهي غابة يُشاركنا فيها الجن ،كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦]، أما الغاية من خلق الإنسان على هذه الأرض خاصة، والتي لا يشاركنا فيها الجن ولا غيرهم من المخلوقات فهي عمارة الأرض حيث قال تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود:٦١]أي: “وجعلكم عُمَّارًا فيها” كما يقول الطبري (١٥ /٣٦٨) ولأجلها أمَدَّ الله بني البشر بالقوى الذهنية والبدنية وسخر لهم كل ما حولهم وما فوقهم وما تحتهم من مقدرات الأرض والفضاء؛ وهذا الاستعمار هو أحد مدلولات الاستخلاف الوارد في قوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:٣٠] ومن واجبات المُسْتَخْلَف في عمارته لما مُكِّن عليه من الأرض أن يقوم بالحق ويتبع سبيل الله تعالى في كل جوانب حياته كما قال تعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص:٢٦]. وسبيل الله تعالى هو إصلاح هذه الأرض وعدم إفسادها كما قال عز وجل: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:٥٦]. وعلى هذا فالتنمية هي الحل فعلًا، وكيف لا تكون كذلك وهي مراد الله عز وجل، وبها قوام الدين والدنيا، يَرغَدُ عيشُ الناس وينتشر الأمن وتُسْتَثْمر خيرات الأرض وتزدهر القوة الاقتصادية والعسكرية والصناعية؛ فتستكفي الدولة بمواردها وتستقوي على خصومها وتتقدم على منافسيها، وتصبح الأجواء أنسب ما تكون لتحقيق مقاصد الشرع بحفظ الكلياتِ الخمس ضروريِّها وحاجيِّها وتحسينيِّها. فالتنمية هي الحل ، ليست مبدأً ليبرالياً كما يُوهِمُنا البعض ؛ بل قيمة قرآنية نبوية قطعية الثبوت مستنبطة من نصوصٍ قطعيةِ الدلالة. أما التنمية حين يغادر طالبوها سبيل الله تعالى فإن مآل تنميتهم -وإن ظهر منهم الإصلاح في جوانب- إلى نقض غزلهم والإفساد على أنفسهم وعلى غيرهم وذلك من جانبين: الجانبُ الأول جانب قَدَرِيٌّ؛ حيث أخبر تعالى عن سنته في أخذ الأمم التي تخالف سبيله في وقت ذروة فرحهم واغتباطهم بما هم عليه، وعلى ذلك أدلة كثيرة من الكتاب والسنة يكفي منها في هذا المقام هذه الآية: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام: 44]. أما الجانب الآخر فجانب كَسْبِيٌّ؛ إذ إنَّ مخالفةُ قانون الله تعالى تؤدي حتمًا إلى وضع الأشياء في غير مواضعها؛ الأمر الذي ينقلب معه الإصلاح حتمًا إلى إفساد: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} [البقرة: ١١-١٢]. وتنزيل ذلك على الواقع الغربي يَسِيرٌ جدًا لمن تتبع واقعهم الاجتماعي والاقتصادي وكيف أن مشكلاتهم في هذين الجانبين تتَّسع وتعيَا بها خططهم الإصلاحية.

يتوهم البعض في طغيان الفلسفات الحديثة : أن الليبرالية هي التنمية، وهي التي وصل العالم بها لما وصل إليه من العلم والتقنية والتقدم والرقي. وأمانةً أقول: إن الليبرالية كانت حقاً السبب الأول لكل ما يعيشه العالم اليوم من جوانب تقدم صناعي وتقني وزراعي وقانوني، وهي كذلك السبب في كل ما يعيشه عالم الْيَوْمَ  من جوانب فساد ديني وأخلاقي وقِيَمِي واجتماعي وبيئي.

فلا يشك مؤرخٌ أنه لولا فرانسيس بيكون و ديكارت ،وأضرابهما من رواد الليبرالية الأُول لَمَا حصلت أوربا على ما حصلت عليه من التقدم في علوم التكنولوجيا والطب والفلك وغيرها وذلك: أن العقل الأوربي كان مُحَاصَرًا بتعاليم الكنيسة الصمَّاء والتي حالت بينه وبين التفكير، واستعبدته استعبادًا حال بينه وبين النظر إلى كل ما يحيط به إلا من خلال الثقوب التي يتيحها له الآباء والقساوسة والكرادلة؛ لكن الليبراليين الأُول طالبوا بتحرير العقل من تابوت الكهنوت وتحرير كتابهم المقدس من تفسيرات الكهنة، عندها بدأوا ينظرون إلى ما حولهم بعقل علميٍّ ناقد متسائل، فانفتحت لهم مغاليق الكيمياء والفيزياء وأقاموا على نتائج ذلك البناء العلمي الهائل الذي أنتج ما نعايشه اليوم من المخترعات التي خالطت حياتنا. 

لكن السؤال هنا: كيف نشأت الليبرالية تلك؟ وكيف تسنَّى للعقل الغربي أن ينفتح فجأة ويبني هذه الحضارة؟ إن القول بأن العقل الأوربي استيقظ فجأة ودون أسباب كما يُحَاول أكثر مؤرخي النهضة صُنعه من أمثال “هيربرت فيشر” في كتابه أصول التاريخ الأوربي الحديث لَأمر مثيرٌ للسُّخرية، فهم يحاولون ربط هذه النهضة بأثينا وإسبارطة وقونية قبل أكثر من ألفي عام؛ ليزعموا أن الذي حصل هو مجرد نومةٍ طويلةٍ استغرقت كل تلك المدة، ثم استيقظ العقل الأوربي فجأة ليلتفت إلى تراثه اليوناني القديم ثم يعاود النهوض، هكذا ببساطة! إن المؤرخين الأوربيين يهملون عمدًا السبب الرئيس في يقظتهم والمَعِين الأول لاستفادتهم وهو التأثر بالمسلمين عبر الجِِوار للأندلس وبشكل أكبر عبر الحروب الصليبية؛ حيث خرج إلى الشام ومصر منهم مئات الآلاف من الأمِّيين الجهلة محاربين؛ ليجدوا أمامهم مدنًا مرصوفة مرتبة عامرة بالمدارس والمكتبات والمستشفيات والمصحات والمختبرات وشعوب قارئة كاتبة راقية في أخلاقها وتعاملها؛ ومن هناك بدأت رحلة الانتقال لتتحول القيادة الحضارية من المسلمين إلى الغرب؛ حيث بدأت إرهاصات ظهور الليبرالية من القرن الثالث عشر الميلادي ويعد “روجر بيكون” [تـ١٢١٤م] وهو من أوائل الأوربيين الذين بدأ بهم التدريج نحو إعلان التمرد الكامل على الكنيسة.

أصبحت الليبرالية في وقتها في القرن الخامس عشر ضرورة فكرية للأوربيين؛ إذ إن آراء الكنيسة في العلم والكون والحياة كانت مُخجلة، ولا يُمكن لعقل استفاد رحابة التفكير من الشعوب المسلمة المجاورة أن يتوقف عندها. كانت فكرة نفي القداسة عن المعلومات السائدة والتي تبناها فرانسيس بيكون و رينيه ديكارت ، وفكرة الاستقراء عند بيكون، والشك عند ديكارت مستفادتين بشكل واضح من علم الكلام عند المسلمين، وكانتَا مدخلًا للبدء بالعلم التجريبي الذي هو الآخر مستفاد من الفيزيائيين والفلكيين والكيميائيين والأطباء المسلمين: لقد كانت الليبرالية في بدايتها ضرورة لأوربا؛ لأن أوربا لو بقيت تعتمد تفسيرات الكنيسة للعهدين القديم والجديد، والقليل من فلسفة أرسطو التي أدخلها بعض آباء الكنيسة إلى الدين النصراني ثم أُضْفِيَت عليها القداسةُ، لو بقيت أوربا تعتمد ذلك لاستمرت حتى اليوم تقتل كل مُخترِع ومُكتشف أو تُلزمه بالتوبة كما فعلوا مع كوبر نيكوس و جاليليو

        / ٤)

بعد القرن الخامس عشر وما أعقبه لم تقف الليبرالية الأوربية عندتصحيح الأخطاء في الديانة النصرانية بل استمرت نظرية الشكالديكارتي مؤثرة على كل من عاصره ومن جاء بعده وكانت بوابة لإنكارالدين بالكلية ، وفار طوفان هذه النظرية ليتجاوز المعامل والأفلاك ويغمركل حركة العقل البشري من الإهيات حتى الأخلاقيات فتم جحد الإلهوإنكارالأخلاق والعبث بالآداب،حتى أدى هذا الاستغراق في نظريةالشك  إلى الواقع الاجتماعي الحاصل الآن والمهدِّد للجنس الأوربيبكامله بالانقراض ؛كما أن تَوَسُّعها شمل الاقتصاد ،فأدى إلى انقراضالاقتصاد الطبيعيالذي عاش مع ابن آدم عشرات القرون من  السنين  وحلت مكانه الرأسمالية والشيوعية بكل ما فيهما من عيوب خفية وظاهرة،وما أديتا وتؤديان إليه من مضار أنتجت استعمارًا وحروب إبادة ومفاسدلا تحصى على البيئة والحياة الفطرية والتوازن الخِلقي والبيئيوالاقتصادي .

ثم يأتي السؤال الأهم: إذا كان المسلمون هم المحرك القوي للتقدمالأوربي الذي نشهده بجميع أشكاله، فلماذا لم يتقدم المسلمون، ولماذا لميصنعوا السيارة والطائرة والقطار وغيرها من المخترعات التي تُسَهِّلحياتنا الآن؟

الجواب أعطيك إياه بإيجاز ، ثم بتفصيل ، الجواب المختصر :أن الذيحال بينهم وبين ذلك التقدم التقني هو الانزياح الحضاري نحو الأممالأخرى ، ومنهم اليونان تلك الأمة التي يعتبر الغرب نفسه خطأ وريثاًحضارياً لها .

أما الجواب بالتفصيل : فأن كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليهوسلم جاءا بتعاليم عظيمة جعلت استعباد الإنسان في هذه الأرض لله؛وقَيَّدته بتعاليم تضبط حياته وجميع تعاملاته في يومه وليلته، لكنها معهذا فتحت له مجالًا رحبًا في العلم والتفكر فيما خلق الله مِن حولهم وفيأنفسهم والبحث في كل ذلك واستكشافه. وكل ذلك لا يمكن أن يتسنى إلافي عالَم الشهادة ؛ وعالم الشهادة هو ما يدركه الإنسان بحواسهالخمس أو بعضها، سواء أكان ذلك مباشرة فيما يراه الإنسان أو يسمعهأو يبصره أو يُحسِّه أو يشمُّه، أم بوسائط كالكائنات الدقيقة التي لا تُرىولا تُسمع إلا بوسائط مجهرية ومخبرية .

أما عالَم الغيب وهو ما كان فوق السماء من مخلوقات وعوالم، أو ما لايمكن إحساسه أو مشاهدته وما ليس لمعرفته طريق سوى الوحي فقدنهى القرآن الكريم عن تتبُّعه ،وأمرَ بالتسليم فيه لما يخبر الله سبحانهورسوله صلى الله عليه وسلم عنه: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَوَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء:٣٦]. فإذا بحثالإنسان وتفكر وتدبر في عالم الشهادة وصل إلى نتائج تزيده معرفةبنفسه وبالكون مِن حوله، فيستطيع بما يصل إليه من معرفة خصائصالأشياء أن يخترع ما يجعل حياته أيسر وأفضل، وعمرانَه للكون أشدوأقوى وأنفع؛ لأن أدوات الوصول إلى الحقائق موجودة لديه في عالمالشهادة  وهي الحواس الخمس وما انبثق عنها من آلات ؛ أما عالمالغيب فلا يزيده البحث فيه إلا عناءً وتشتُّتًا واضطرابًا واختلافًا؛ لأنالإنسان لا يملك أيَّ أداة تمكنه من الوصول للحقيقة في هذا العالم سوىما نص عليه الله تعالى في كتابه ؛ فالوسيلة الوحيدة للتعرف على عالمالغيب هي النصوص الشرعية لا غير .

وقد عمل المسلمون بهذه الحقيقة، وهي الاقتصار في البحث العلمي علىعالم الشهادة وحسب؛  والتسليم لله تعالى فيما يتعلق بعالم الغيب، طيلةسيادة الفهم السلفي للإسلام وذلك في القرون الأربعة الأُوَل ؛ وهيالحقبة ذاتُها التي ظهر فيها كبار النابهين في التاريخ الإسلامي فيالطب والصناعة والفلك والرياضيات والهندسة والعمارة؛ وكان الجوالعلمي والسياسي في تلك العصور يخضع فكريًّا لسيادة في حاضرةالخلافة وما تهيمن عليه من الأمصار للمنهج السلفي باستثناء الحقبةالقصيرة ما بين آخر عهد المأمون وأوائل عهد الواثق والتي لا تتجاوزبضع عشرة سنة؛ وكانت حُرٌِية البحث العلمي في عالم الشهادة لايعيقها فتوى شرعية ولا قرار سياسي؛ نعم: إن معظم من طارتأسماؤهم في الآفاق من هؤلاء الباحثين لم يكونوا على منهج السلفواعتقادهم؛ كالكندي وجابر بن حيان والبيروني وابن سينا؛ لكن أجواءحرية البحث العلمي التي عاشوها هي المسؤولة عن ظهورهم وغزارةإنتاجهم، فلم يعترض فيما أعلم أحد من علماء الشريعة على أيٍّ منهؤلاء في أبحاثه وأعماله الفلكية والطبية والرياضية؛ وإنما اعترضوا علىبعضهم في آرائهم فيما يتعلق بما وراء الطبيعة،  أي في عالم الغيب ؛فحينما كان البيروني وابن سيما وأضرابهما يتكلمون في عالم الغيبالذي لا يملكون أداوات البحث فيه كانت الردود والاعتراضات تأتيهم ،وحين كانوا يبحثون في الفيزياء والطب والرياضيات كانت طريقهماالعلمية تمشي دون تعثر.

والماورائيات آراء مخالفة للقطعي من الشرع المعلوم من الدين خلافهبالضرورة ؛ أما نتائج أبحاثهم فيما لا يتعارض مع قطعي النصوص فلمتكن أبدًا محل خصومة معهم أو تأليب ضدهم حتى لو لم تكن محلاتفاق معهم.

وخير مثال على ذلك رأي أبي الريحان البيروني في كون الأرض تدورعلى محورها لا أعرفوأنسب عدم المعرفة لنفسيأحدًا كفَّره بهذاالقول أو حال بينه وبين نشره؛ بل كان البيروني من المقربين من البلاطالغزنوي وهو بلاط سنِّي معروف برفع راية التدين وإعلاء شأن علماءالدين والجهاد في سبيل الله. وعلى كل الأحوال فبروز أمثال هؤلاءالمناوئين لمنهج السلف في الاعتقاد بعلومهم التجريبية في جو علمي أشدميلًا إلى المنهج السلفي إنما هو شهادة نَيِّرة للحرية العلمية التي كانيُوَفِّرُها العلماء لمثل هذه الأبحاث التجريبية حتى ولو أتت على أيديمناوئين لمنهجهم. والذي ينبغي الالتفات إليه: أن أول حادثةقتل بتهمةالفلسفة وربما كانت الأخيرةإن ثبتت تاريخيًّا وحسب علمي أنها لمتثبتكانت على يد دولة الموحدين التي جلبت المذهب الأشعري إلىالمغرب؛ مع الدعاوى العريضة بالعقلانية لدى الأشاعرة ومن تبعهم

    / ٤)

فإذا كانت نهضة العلوم التقنية قد تقدمت لدى المسلمين في القرونالأربعة الأول في البلاد التي كانت الهيمنة فيها للتوجه العقدي السلفيوللدول المتبنية للمنهج السلفي ، فما الذي حدث وكيف توقفت هذهالنهضة؟

وسأسوق الجواب على هذا التساؤل إجمالًا أولًا، ثُمَّ بشيء منالتفصيل. أما الإجمال: فالسبب هو مخالفة أمر الله تعالى القاضيبالتفكر والبحث في عالم الشهادة والتسليم لله تعالى في عالم الغيب،حيث تعاظم أمر البحث في عكس ما أمر الله به وهو عالم الغيب وسادأوساطَ الأذكياء، وضَعُفَ البحث في عالم الشهادة.

أما التفصيل: فقد افتتن بالفلسفة اليونانية طوائف من الشباب في وقتمبكر، وبدأوا في الخوض في قضاياها التي كان منها: نظرياتالطبيعة، وفرضيات ما وراء الطبيعة، وفرضيات علم المعرفة. فأما القسمالأول فقد وُفِّقوا فيه حيث نقلوه من كونه علومًا نظرية إلى حيز التطبيقعن طريق ما عُرِف فيما بعد بالعلم التجريبي، وهو موافق لما ذكرتُ آنفًابأنه الأمر القرآني بالبحث في عالم الشهادة. وأما الثاني والثالث فقدبدأ بحثهم فيه ضعيفًا وغير طاغٍ على الجانب الأهم وهو العلم التجريبي،إلا أن المشكلة جاءت حين تطور الاهتمام بما وراء الطبيعة وخرج من حيزالنقاش الفلسفي العقلي المحض لِيَتِم إدخاله عن طريق علم الكلام إلىالشرع الإسلامي فتصبح أقوال الفلاسفة جزءًا من الدين، وذلك على يدالمعتزلة ومن بعدهم الأشعرية. هنا بدأ الانحدار والبعد عن العِلمالتجريبي، فكما أدخل القديس أوغسطين وتوما الأكويني بعض الآراءالفلسفية اليونانية في الدين النصراني، تم إدخالُ مفاهيمَ يونانيةوبراهمية ورومانية إلى الإسلام، وزَعْم أنَّ تلك الآراء هي التوحيد والدينالحقيقي؛ كنفي اتصاف الإله بالصفات، ونسبة خلق الأفعال إلى البشروالقول بالجبر، وغير ذلك من العقائد الماورائية والتي استشرس المعتزلة  ثم الماتوريدية والأشاعرة من أجل إقحامها في دلالات النصوص بدرجاتمتفاوتة.

هذا الانحراف لم يكن مؤثرًا كثيرًا في القرون الأربعة الأول لكون الخوضفي تلك القضايا ظلَّ نخبويًّا كما أن علماء الشريعة لم ينخرطوا فيهبشكل كبير؛ ومَن دخلوا في هذا المجال منهم بقوا موضع انتقاص فيهذه الجزئية، واعتُبِرَت من سقطاتهم كأبي بكر الباقلاني رحمه الله[تـ٤٠٣]. أما بعد فرض مذهب الأشاعرة سياسيًّا على يد السلاجقة فيالمشرق والموحدين في المغرب فقد بدأ بالفعل ذهاب الأجواء المُشجِّعة علىالبحث العلمي في عالم الشهادة، وهو بحق عصر بداية التوقف في علومالفيزياء والكيمياء والفلك والصناعة، وذلك لأسباب عدة منها: انشغالأذكياء الأمة بهذا الجدل بشكل كبير حتى ألهاهم عن أبحاث عالمالشهادة مما جعل أبا حامد الغزالي رحمه الله وكان من عظماء الأشاعرةوأهل الكلام يقول عن علم الكلام:والدليل على تضرر الخلق به:المشاهدة والعيان والتجربة، وما ثار من الشر منذ نبغ المتكلمون، وفشتصناعة الكلام مع نهي العصر الأول من الصحابة رضي الله عنهم عنمثل ذلك. ويدل عليه أيضًا أن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابةبأجمعهم ما سلكوا في المحاجة مسلك المتكلمين في تقسيماتهموتدقيقاتهملا لعجز منهم عن ذلكفلو علموا أن ذلك نافع لأطنبوا فيه،ولخاضوا في تحرير الأدلة خوضًا يزيد على خوضهم في مسائلالفرائض”. وقال أيضًا:إن الصحابة رضي الله عنهم كانوا محتاجينإلى محاجة اليهود والنصارى في إثبات نبوة محمد صلى الله عليهوسلم، فما زادوا على أدلة القرآن شيئًا، وما ركبوا ظهر اللجاج في وضعالمقاييس العقلية وترتيب المقدمات. كل ذلك لعلمهم بأن ذلك مثار الفتنومنبع التشويش، ومن لا يقنعه أدلة القرآن، لا يقنعه إلا السيف والسنانفما بعد بيان الله بيان”.

ومن أسباب كوّن الانغماس في الكلام كان من أسباب التوقف عن   علوم التقنية : أن الأفكار الكلامية عن الله تعالى وعن القضاء والقدر وعنتوحيد العبادة كانت منافذ كبيرة لدخول مذهب الحلول والاتحاد والفكرالباطني والتصوف الخرافي وتعظيم الميتين وسؤالهم من دون الله تعالى؛فالقول بنفي الصفات عن الخالق عز وجل لزم منه إثبات الحلولوالاتحاد، والقول بالجبر نتج عنه تشريع الخمول والتنبلة والدروشة ؛والفكر الهندي وضعف العناية بتوحيد الألوهية نتح عنه تشريع دعاء غيرالله تعالى والاستغاثة به.

هذا مع أن الأشاعرة الأولين وكبار أهل العلم من الأشاعرة المتوسطينوالمتأخرين لم يكونوا يقرون كثيرًا من هذه البدع التي تسربت بين الناس؛لكنْ مما لا أشك فيه: أن تلك الأقوال الفلسفية ودخولها في المذهبالأشعري كان له أثره في تمرير تلك الخرافات وإن لم يكن في إقرارهاابتداءً؛ كما أن الباطنيين الذين كان لهم صولة في القرنين الخامسوالسادس كان لهم ارتباط بالرواقيين والأفلوطينيين من أتباع الفلسفةاليونانية والإسكندرية القديمة ؛وظل هذا الوضع يتفاقم حتى أطبقتالخرافة على العالم الإسلامي كله، ولم يكن الجو ملائمًا أبدًا في تلكالأحوال لنهضة علمية تقنية.

إذاً فالانبهار بالفلسفة اليونانية الأوربية ودخول بعض أفكارها إلى بعضالمذاهب الإسلامية كان سببًا في توقف المنجزات العلمية الإسلامية عندحد معين؛ ولو أن المسلمين تخلصوا مبكرًا من أفكار البحوث الغيبيةاليونانية واستمروا في تطوير علوم الطبيعة عند اليونان والهنودوالصينيين وابتكار ما يوفقهم الله إليه بحيث تقتصر جهودهم على البحثفي عالم الشهادة لكانوا وصلوا لمراحل من التقدم تُسْعِد الإنسانية، وربماكان بأكثر مما صنع الغرب؛ ولم يكن ليُخلِّص المسلمين من ذلك إلاالرجوع إلى فهم السلف رضي الله عنهم للكتاب والسنة وإلى تصوراتهمالمأخوذة منهما عن الدين والكون والحياة؛ وقد قام ابن تيمية رحمه اللهتعالى بحركته التصحيحية رغبة في أن تستقيم الحياة الدنيا كما أرادالله عز وجل لها، فتعود مهمة عمارة الأرض إلى مسارها الإصلاحي فيظل استعبادٍ صحيحٍ خالصٍ لله عز وجل؛ لكن هذه الحركة وإن بقي أثرهاالعلمي حتى يومنا هذا، إلا أن امتداد أثرها على المجتمع كان محدودًامكانًا وزمانًا؛ وذلك بسبب استعداء الأشاعرة الذين يدَّعون العقلانيةوالمتصوفة دعاة الحب على ابن تيمية، وما دعا إليه من الرجوع للوحيومنهج السلف في فهمه، وما دعا إليه من تحرير العقل من الخرافة وإلىبعث الاجتهاد المُحَرِّك لفقه الأمة. فعاد المسلمون بعده إلى ظلمة الخرافةوجمود الفقه وانحراف المعتقد، وكل ذلك زاد في ركود الأمة فيما كُلِّفت بهمن عمارة الأرض والاستخلاف فيها في جانب البحث في عالم الشهادة. وبدت عدة بوارق للإحياء الإسلامي الذي لا يكون إلا بالعودة لمنهجالسلف لكن تلك البوارق يتم إطفاؤها من قِبَل المستفيدين من العيش فيالظلام حتى جاء الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب واقترنت دعوتهبالدولة الحامية لها الموسعة لمدى بلوغها فكان من ثمارها ما يعيشه العالمالإسلامي اليوم من تنوير فكري.

           / ٤)

يتحدثالبعض عن كوّن الليبرالية لا تتناقض مع الإسلام كليًا أو جزئيًا ؛ويؤسفني أن أقول: إن القول بأن الليبرالية تتوافق مع الإسلام كدين كليًاأو جزئيًا هو الوهم الكبير. ولعل ما حدا بعض الطيبين لأن يقولوا مثلهذا القول إنما هو توهمُهم أن الليبرالية هي التحرر من سلطة رجالالدين وما يسمونه في أوربا بالتخلص من الكهنوت والإكليروس، وهذاكما قلتُ وهم كبير؛ لأن تخليص الناس من السلطة الذاتية باسم الدينلمشايخ الطرق وسدنة قبور الصالحين هذا هو ما جاء به المنهج السلفيالذي جدد دعوة الإسلام بإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة ربالعباد؛ فالإسلام الحق الذي جدده المنهج السلفي يأمر العباد بأن لاتكون عليهم سلطة إلا لله تعالى ممثلة في النص الشرعي من كتابوسنة؛ أما علماء الشريعة فليس لهم سلطة على أحد وإنما لهم مكانةيفرضها مدى ما يحملونه من نصوص شرعية وما يملكونه من أدواتعلمية في فنون الحديث وأقوال المحدثين لمعرفة درجة تلك النصوص منالصحة والضعف، وما يتقنونه من فنون اللغة وأصول الفقه لفهم تلكالنصوص، وما رُزِقُوه من المَلَكَة لفهم النوازل الحادثة وتنزيل النصوصعليها، وقدرتهم على استنباط علل الأحكام المنصوصة ودراسةالمستجدات وإيجاد العلل المناظرة لتنزيل الأحكام عليها.

من هنا يأخذ العلماء مكانتهم في المجتمع، كما يأخذ المهندسون والأطباءمكانتهم بقدر ما يحملونه من علم في اختصاصهم ومدى حاجة الناسلهم؛ بيد أن لعلماء الشريعة شرطًا ينبغي أن يوجد فيهم فإن تخلفضَعُفَ قدرُهم ولو عظم علمهم؛ ألا وهو التقوى والورع الحاملان علىمزيد من الطاعات واجتناب المعاصي وخوارم المروءات والتمسك بالأخلاقالطيبات مع سائر الناس وفي شتى المجالات؛ فعالم الشريعة إن خلا منذلك أَسْقَطَ مكانته حتى لو اتسع فهمه وعلمه، وذلك أن الناس لا تُقَلِّدُ أمردينها لمن لا يُقِيمُه في نفسه؛ فإن صح ذلك منه دانت له القلوب المُذعِنةلربها من تلقائها واتخذت من مكانته سلطة عليها لم يطلبها هو؛ بل لايريدها ويتبرم منها ويَعُدُّها ابتلاءً من الله له واستدراجًا، فتراه وجِلًا منإقبال الناس عليه خاشيًا على نفسه من الاغترار بها أو الركون إليها. أماحين يفرح بالأتباع ويبذل الجهد في الاستكثار منهم فهذا من مهدداتخلوص نيته لله، وقد تكون حاملًا له على اتباع رغباتهم وما يرضيهم عنهأكثر من حرصه على اتباع أمر ربه؛ وذلك مما يظهر للملأ وإن سعىالعبد إلى إخفائه، ولن يلبث إن لم يدرك نفسه حتى يضعف الانقياد لهوالانصياع لرأيه، وكما قال الأول:

ومهما تكن عند امرئ من خليقةٍ وإن خالها تخفى على الناس تُعلمِ

فبما أن الليبرالية ليست هي ما يتوهمه كثير من الكتَّاب؛ فما هيالليبرالية إذًا؟

الجواب أن الليبرالية ظهرت في مطالع النهضة الأوربية كما أسلفنا فيالمقال الأول من هذه السلسلة ،ويسميها المؤرخون للفكر الأوربيبالتنوير، وكانت تعني عدم الالتزام بتفسيرات الكنيسة للدين وللكتابالمقدس، وهي بهذا التفسير الذي لم يطُل أمده كثيرًا لا يُمكن أن تَصلحلنا؛ وذلك لأنه لا يوجد لدينا تفسير للكتاب والسنة خاص بالعلماء، بلالنصوص الشرعية إنما تُفسَّر ببعضها تارة وبدلالة اللغة العربية تارةأخرى؛ وإذا خالف التفسير هذين الأمرين فهو تفسير باطني أو مبتدعلا يجوز الأخذ به، وهذا بعكس الكتب النصرانية التي لم تكن الكنيسةتفسرها فيما يتعلق بقضايا العلم بمقتضى اللغة، بل بموجب أهواءالمجامع الكنسية التي كانت الكاثوليكية تعتبرها وحيًا من الله تعالى،فالبابا عندهم ملهم من الله، وما تصل إليه المجامع الكنسية من قراراتهو إلهام من الله، وما فعله التنويريون الأوائل هو أنهم أنكروا أن يكونذلك وحيًا وأعطوا أنفسهم حق التفسير، وهم في ذلك محقون، لكن هليصلح ماذهبوا إليه عندنا؟ الجواب: لا؛ لأن المشكلة التي عانوا منها ليسلها وجود عندنا مطلقًا، وما يفعله الليبراليون من ادِّعاء وجود هذه المشكلةبين علماء الشريعة والكتاب والسنة هو كذب على الواقع والتاريخ؛والمفارقة العجيبة هي أن ما كان يفعله القساوسة في كتابهم من تجاوزاللغة في تفسيره والإتيان بدعاوى لا تُقِرُها النصوص، هو ما يريد كثيرمن الليبراليين المسلمين فعله في الكتاب والسنة، وما كان يطلبهالتنويريون الأوائل من الالتزام بالمدلول اللغوي الموافق للعقل في تفسيرالكتب النصرانية هو ما يفعله علماء الإسلام أتباع منهج السلف  معالكتاب والسنة! وليست بدعة الفهم التاريخي للنصوص والتي يتشدقبها بعض الليبراليين منا ببعيد، حيث يعمدون إلى إنكار قطع السارقورجم الزاني بأن ذلك فهم قديم للنصوص ونحتاج فهمًا يوافق متطلباتالعصر! فالحقيقة: أن الليبراليين المعاصرين أخذوا دور الرهبان في عهدالتنوير الأوربي ، والعلماء هم أهل التنوير الحق والذين يريدون صيانةالنصوص من عبث الأهواء.

ثم تطورت الليبرالية في أوروبا وتنوعت تنوعًا كبيرًا كثرت معه مذاهبالليبراليين، وكانت الحِقبة تأتي فيسود فيها نمط معين من الفكر الليبراليثم تأتي حقبة أخرى يعتبر فيها ذلك النمط تقليديًا والنمط الجديد هوالليبرالي، فليبرالي الأمس هو تقليدي اليوم؛ فقد كان الفكر الديكارتيهو السائد في القرن السابع عشر، وهو فكر يعتمد على الشك والبحثعن جديد، ويرى أن عملية البحث بعد الشك ستوصلك حتمًا إلى الدينوالاعتقاد بالله باعتبارها معارف فطرية، فجاءت بعده حقبة الثورةالفرنسية التي أصبح فيها فكر ديكارت تقليديًا والفكر الإلحادي هوالليبرالي فظهرت العدمية والوجودية بمدارسها المختلفة والفرويدية وماكان لها من آثار في تبرير الانهيار الأخلاقي، ولازال الأوربيون حتىاليوم ينقسمون إلى تقليديين وليبراليين، فالتقليديون هم أصحاب المدرسةأو الفكر السائد، والليبراليون هم أصحاب المدرسة الجديدة. ومن اللطيفأنه في أوروبا يوجد أيضا مدرسة فكرية تسمى السلفية تدعو إلى العودةإلى التراث والارتباط به، ويمكن للقارئ أخذ معلومات أكثر عنها منكتاب تاريخ الفلسفة الحديثة ليوسف كرم. والمُحَصِّلة مما تقدم: أنالليبرالية ليست فقط لا تتوافق مع الدين بل هي مضادة له، ومن يقول:إن الليبرالية تتفق مع الدين الإسلامي كليًا أو جزئيًا هو جاهل أو مغرربه، هذه هي الحقيقة. فإذا كانت هذه هي الليبرالية فما علاقتهابالتنمية؟

الجواب: تنحصر علاقة الليبرالية بالتنمية فقط في ذلك الظرف التاريخيالذي ثار فيه العقل الأوروبي متأثرًا بالحضارة الإسلامية على الجمودوالخرافة الكنسية والهيمنة البابوية على العقول والأنفس والقلوب، وكانتأوروبا في حاجة إلى ذلك كي تنهض، أما في عالمنا الإسلامي فقد كنافي حاجة إلى أمر آخر وهو العودة إلى الدين الصحيح وهو ما تم فعلًابدعوة الشيخ والإمام في الجزيرة العربية، وكان حريًا بهذه الدعوة أنتلقى القبول في جميع أنحاء العالم الإسلامي في ذلك الوقت المبكر الذيقامت فيه، وكان والله أعلم بما يكون،  لو تم ذلك لكان للأمة وللنهضةالحضارية شأن آخر.

أما الليبرالية فبعد إسقاطها للعرش البابوي استمرت علاقتها بتحريرالأخلاق والآداب والقِيَم من أي سلطة كانت، سلطة الدين أو رجاله، أوسلطة الدولة ورجالها ومؤسساتها، وعملت على تفكيك الأسرة وهدمالمجتمع الرصين ، فالليبرالية الأوربية وحدها هي المسؤولة عن الانهيارالأخلاقي في أوربا وعن حلول الفلسفة البراجماتية مكان القيم الأصيلةالتي توارثتها البشرية بجميع أديانها وجهاتها ، وكل ذلك هو ما يريدالغرب ولو بالقوة تصديره لجميع العالم . أما ما حدث من التنمية فيأوروبا بعد انفلات العقل البشري من ربقة الكنيسة فنشاط إنسانيطبيعي هو جِبِلَّة الإنسان إذا لم يحل بينه وبين مقدرات الأرض شيء،وبهذا النشاط الطبيعي الإنساني وصل الصينيون القدماء إلى ماوصلوا إليه من حضارة لا زال العالم يستفيد منها، وكذلك الهنود الأُولوقدماء المصريين والروم والفرس والعرب الأوائل. ويمكنك النظر إلىمخطوطاتهم وآثارهم العمرانية لتعرف مكانة تلك الأمم.

حظ الأوربيين أنهم جاءوا متأخرين وساعدتهم حركة الاستعمار علىجمع ما كان عند الأمم من معارف وانطلقوا من حيث انتهى الناس،وليس لليبرالية علاقة بكل ذلك، فما هو إلا نشاط يقوم به البشر في كلزمان ومكان إذا توفرت له البيئة المناسبة. نعم ربما كان لليبرالية أثرٌ فياعتماد الربا كعمل اقتصادي سائغ ومخالفة الأصول النصرانيةواليهودية التي تحرم ذلك ، وهذا المحرم الذي استباحه الغرب باسمالاقتصاد الرأسمالي هو الدمار المالي الذي يعاني منه العالم وليسالغرب وحده . إن الإسلام كما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وكمافهمه السلف الصالح ليس في حاجة إلى أي فكر وافد أو مصطلح جديدكي يدعو الناس إلى التنمية، إلا إذا كان المراد بالتنمية تحطيم الأخلاقوالقِيَم وتعدي حدود الله، وهذا ما آُجِلُّ  الليبراليين السعوديين عنه.

د. محمد بن إبراهيم السعيدي

.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.