آخر الأخبار

مقاومة الطائرة بالسكين
عندما تعتدي جماعة على فرد ويسلبونه كل ما معه ويتعرضون له بالضرب والأذى ، ولا ينجو من ذلك إلا نساءه وأطفاله ، فعند ذلك فإن أي محاولة للرد ستكون عاقبتها وخيمة بل ربما كانت عاقبتها الاعتداء على النساء والصبيان ، وذلك أن المعتدين جماعة من الأقوياء والمعتدى عليهم قلة من الضعفاء ، فمن يفهم الأمر بهذا الشكل هو من يستطيع رد العدوان عنه بطرق أخرى أقرب إلى السلامة من تلك الطريق ، فيجمع الأدلة ضدهم ثم يقيم عليهم الدعاوى حتى يستنقذ حقه منهم ؛أو ينشغل بالتأليب عليهم حتى يفتضح أمرهم لدى الجميع ،أو يُقِم تحالفاً مع من يكونون معه ضد تلك الجماعه فيهاجمهم كما هاجموه ؛أو يفعل أي طريقة أخرى يكون له فيها رد الكرامة وإن طال الزمن دون أن تحقق أضرارًا أكبر مما حصل مع الجزم بعدم جدواها.
هكذا يُفكر المرؤ العاقل وهكذا تأمره الشريعة أن يفعل ؛ لأن من يقول غير ذلك إنما يتهم الشرع المطهر بالقصور عن فهم حاجات الناس والتقصير في إيجاد الحلول لهم لجميع ما ينزل بهم من مصائب ؛ وبذلك يكون من يتحدثون عن الإسلام وأنه جاء بالحل لكل ما يحدث من مأسٍ في الأمة قصيرو نظر أو كذابون دجالون ليس لديهم من المعرفة شئ .
وهكذا نفهم وضعنا في غزة فمن يقول : إن غزة وما يعتورها من آلام الاعتداء بعيدة عن هذه الصورة الصغيرة فليس لديه من حسن التفكير شيء ؛ بل العدو اليهودي وما يمتلكه من طائرات ودبابات وأجهزة للرؤية الليلية وأجهزة أخرى للرؤية الدقيقة ، وإسناد بحري وجوي ، ودعم هندسي مباشر من أقوى دولة في العالم ؛ بل دعم من جميع دول العالم القوية ، بريطانيا وفرنسا وروسيا ؛ ولا يغرنك تأرجح هذه الدول في الآونة الأخيرة نتيجة لبعض الخلافات مع دونالد ترامب فهي خلافات شديدة حقاً ؛ لكنها لا تصل إلى انتهاك ما هو متعارف عليه بينهم وهو حق الدولة المزعومة في الوجود ؛ إذ إن هذا الحق المزعوم تتبناه قوة جامعة خفية تتسلط على جميع دول العالم المؤثر ، قيل عنها كثيراً في إنكار وجودها وفي إثباته ، لكن من يتابع الأحداث سوف يقتنع بأنها قوة فاعلة موجودة ، جعلت رئيس الوزراء البريطاني السابق ريشي سوناك كي يثبت ولاءه لليهود يسافر في جوف طائرة حاملة للمساعدات إلى تل أبيب ويقدم المساعدات الفورية للدولة الممسوخة بنفسه ، وهي مساعدات بالطبع ليست إنسانية.
على كل حال ليست قوة اليهود في حاجة لكثير من الاستدلال ، وإنما ضعف الدول العربية عن مواجهة اليهود من سنة ١٣٦٧ هـ ١٩٤٨ م هو الذي في حاجة إلى البسط والشرح، فالعرب كانوا آنذاك أكثر قوة من اليهود ، وأوفر جمعاً ومع ذلك رضوا بالهدنتين اللتين أديتا إلى الهزيمة النهائية لهم ؛ وليس من شك لدي ولدى المنصفين أن المؤامرة والضغط العالمي كانا وراء ذلك ؛ أما الآن فلا يوجد أي مقاربة بين الفريقين ، وحتى الأسلحة التي توجد عند العرب هي مأخوذة في معظمها من الغرب ، ولا سيما أمريكا ، والله أعلم بماذا يستطيعون أن يعرفوا عن وجهتها إذا أرادت أن تتجه ، وهل يستطيعون تعطيلها في أي وقت شاؤا ¡
ونسيان هذه الحقائق أو تناسيها أمر مؤسف أسفًا شديدًا سيما وقد جاء من فئة متعلمة تعليماً ممتازاً ، لكن التعليم كثيراً ما تغلب عليه العواطف والأهواء فيكون صاحبه أذناً في يد غيره ممن لا يريدون بالأمة خيراً.
وهذا هو الواقع الذي نراه فإن حماس صارت أذناً بيد قوم ليس بينهم وبين الأمة الإسلامية أية صلة ، ولا يرون القدس الشريفة بلدًا تعنيهم إلا حين يريدون الدعاية لأنفسهم دعاية ليس وراءها أي جزء من الحقيقة ، وقد بينا ذلك في مقالات سابقة.
ولكون السلاح المستورد يعد نقطة ضعف مهما بلغ من القوة تصر المملكة العربية السعودية على أولوية التصنيع الداخلي ، وهو إصرار نجح عمليًا شيئًا ما ونسأل الله أن يكون ناجحا إلى الأبد وعند ذلك لا تسل عما تكون عليه منطقتنا من قوة بإذن الله تعالى .
نعود إلى ذكر الشريعة فهي كما قلت لا تخالف بدهيات الإنسان ، ومن هذه البدهيات بدهية القدرة والإمكان ، فالضعيف في الغالب لا يتمكن من هزيمة القوي ، ولذلك أمد الله المسلمين في معركة بدر بألف من الملائكة وفي قول آخر بخمسة آلاف على الاختلاف في تفسير الآية في ذلك ، إضافة إلى العديد من المعجزات التي أظهرها الله على يدي رسوله في تلك المعركة ؛ ولست أعني بذلك أنه ليس من المعقول أن يُهَيِّئَ الله كراماتٍ لأهل غزة تتيح لهم النصر على عدوهم ؛ لكن من الغفلة وسوء التقدير أن يرتكب الإنسان الخطأ في انتظار الكرامة ، وهذا ليس فعل أهل السنة ، بل من أفعال غلاة الصوفية الذين كانوا من أسباب احتلال العالم الإسلامي سابقاً من قبل أعداء الإسلام وكانوا يقولون وهم يسكتون عن الاحتلالات التي وقعت في المشرق والمغرب :هذا بسبب ذنوبنا وسوف يزول حين نطيع الله والطاعة عندهم هي التضرع للأضرحة وليس لله وحده ؛ ونحن لا نقول ذلك أبداً ، بل نقول :إن مقاومة المحتل ورفض الاحتلال أمر واجب لا ينبغي الحياد عنه، لكن معرفةَ كيف نقاوم وفي أي وقت نفعل ذلك ، هو العلم الواجب في هذه الأيام.
ولا أعتقد أن أهل غزة بعدما ذاقوه من آلام القتل وقصف المنازل مع عجز العرب كلياً عن إنقاذهم يقول أحدهم بوجوب المقاومة على النحو الذي حدث ، بل ربما ـ وهذا مما يؤسفني أن أقوله ـ حدثت تغيرات في العقيدة لدى بعضهم ، وهذا ليس لدي فيه يقين ، وأرجو ألَّا يكون صحيحاً ، لكن ضعف إيمان الكثير منهم كسائر المسلمين، وحدوث هذه الكوارث ، أسبابٌ تجعل مثل هذا الأمر محتمل الحدوث ، ومن واجب القائمين على أمر القطاع دفعه ، ولعل من وسائل دفعه الآن التعقل في التعامل مع اليهود ؛ ولا شك أن التعامل معهم بتعقل يحتاج إلى الارتباط بالمحاورين العرب الذين تُغفِل حماس آراءهم وما يقولون ؛ مع أنهم لا يقولون في هذه الواقعة إلا ما يحاولون به إطفاء الفتنة . وبما أنني ذكرت الشريعة فالأدلة على ما قلت كثيرة وقد ذكرها أعضاء هيئة كبار العلماء رحم الله من مات منهم وحفظ الأحياء وبارك فيهم.
بارك الله في جهودكم شيخنا الغالي