آخر الأخبار
رئيس نهضة علماء إندونيسيا ودعاوى تطرف التعليم السعودي
كثيراً ما يجبن اللامعون وأصحاب المشاريع السياسية عن مواجهة أسباب ما يعانونه أو تعانيه بلادهم ومذاهبهم السياسية أو العقدية ، فلا يجدون إلا تعليق مصائبهم بغيرهم كي يستريحوا من عناء الإصلاح الحقيقي أو من مغبة النقد ، وكان مثالاً ظاهراً على ذلك ما أدلى به رئيس المجلس التنفيذي لجمعية نهضة العلماء في أندونيسيا الدكتور سعيد عقيل سراج أثناء اللقاء الذي تم قبل عامين بين سماحة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب وبينه ،حين ادَّعى الدكتور سعيد عقيل أن جمعيته تدعوا إلى توجه جديد في الإسلام بعيد عن الإرهاب والتطرف يتميز بالوسطية والأخوة والتسامح ، ثُمَّ يُلَخِّص عقيل سراج :”هذا الإسلام بعبارة مختصرة فيقول “غير إسلام العرب “
إذاً وحسب عقيل ، فإن الإسلام المُتَّسِم بالتشدد الداعي للإرهاب هو الإسلام الذي يأتيهم من العرب ، والعرب هم سبب المشكلة بل هم المشكلة كلها ، وقد رد سماحة إمام الأزهر على هذا الكلام العنصري برد بليغ مقنع اتضح بعده أن عقيلاً شعر بالحرج الشديد أمام ضيفه العربي وأمام الحضور والمتابعين ، فأراد أن يجامل الشيخ ويمحو ما زل به لسانه ، فطلب من إمام الأزهر تكثيف المنح الدراسية للطلاب الإندونيسيين لأنهم محتاجون لٍتَعَلُّمِ الدين الوسطي من الأزهر ، ثم أكد أن السعودية تقدم مِنَحاً كثيرة ولكنها خطيرة لأنها تنتج التطرف والتشدد الوهابي ، وفي هذه اللحظة تَذَكَّرَ المتحدث أنه هو نفسه أحد خريجي جامعات السعودية ، فقال : أنا أقصد طلاب البكالريوس أما الدكتوراة فليس لديهم مشكلة ، وأقَرَّ أنه حاصل على الدكتوراة من جامعة أم القرى من مكة ، ثُمَّ عَقَّب بكلام ساخر من سنة اللحية ، وقال إنه لم يضع لحية وهو في السعودية بينما زميله القاعد بجواره كان ملتحياً في مكة ولما عاد إلى إندونيسيا حلقها !
هذا اللقاء مع أنه ليس حديثاً انتشر مؤخراً ووجد استياءً كبيراً ممن رأيتهم من المُتَلقِّين ، للمغالطات التي احتواها من رجل يُفتَرض أنه أحد رجالات أقدم جمعية دينية من حيث انتشارها ، إذ تمتد مكاتبها على طول وعرض الأرخبيل الأندونيسي الذي يفوق عدد سكانه المائتين وخمسين مليوناً.
وأعتقد أن ما أدلى به لا يمثل سياسة الجمعية ولا تجتمع عليه قياداتها ؛ بل في ظني أنها آراء قد تراجع عنها الدكتور عقيل نفسه لأنها ربما تمثل فترة التقارب الكبير بينه وبين إيران ، والذي لم ينته إلى أي إيجابية يحصل عليها المسلمون في إندونيسيا ؛ واكتشف المسلمون أنها ليست سوى دولة تدعم التطرف والصراع والإرهاب في العالم الإسلامي ، وقربُه الشديد منها كان نقيض ادِّعائه القرب من الأزهر الذي كان وما زال من القلاع المواجهة للمد الصفوي الذي انخدع به عقيل وفتح له أبواب بلاده.
فهذا المقال ليس رداً على عقيل سراج الذي يُلاحظ انضباطُه الأخير في اتجاه السعودية وأرجو أن يكون آخر تقلباته ، وإنما هو رد على الفكرة التي تضمنها المقطع وعلى من أعاد نشره ابتغاء النيل من السعودية والدعوة السلفية المباركة.
عَنِّي ، نظرت إلى الحوار على أنه مجموعة من الاعترافات الإيجابية من ابن عَقَّ المملكةَ لفترة من الزمن بدوافع شخصية غالباً ، فهو يُقِر بأن السعودية لم تتخل عن مسؤوليتها تجاه المسلمين في تعليمهم ودعوتهم وتوعيتهم ، فالطلاب الأندونيسيون في السعودية كثير جداً حسب تعبيره ، وفي هذا رد على من يُكثرون التشغيب ويتهمون المملكة بضد ذلك ، كما أنه أقر بأن هؤلاء الكثير هم من المنتسبين إلى جمعية نهضة العلماء ، وهو أحدهم ، مما يؤكد أن السعودية في توجهها نحو نشر المعارف في العالم الإسلامي محايدة وليست لجان اختيار الطلاب المستحقين في جامعاتنا متحيزة لجهة أو مذهب دون آخر ، ولا تَسألُ في المتقدم للمنحة سوى عن مدى أهليته العلمية ، وعقيل سراج خير مثال ، إذ تقدم لنيل الدكتوراة في المملكة على نفقتها ، ولم يُسأل عن انتمائه المذهبي أو الحزبي ولم يُتَعقب في ذلك ، ولم يَحُل انتماؤه لنهضة العلماء دون قبوله ، مع معرفة الجامعات والسلطات الأمنية بموقف كثير من قادة الجمعية من بلادنا وتوجهِها الديني السلفي ، كما لم يكن هناك عمل على تجنيده ليعمل في بلاده وفق برنامج يُعَدُّ له من بلادنا، كما تفعل ذلك إيران مع الطلاب الذين تُقَدِم لهم المنح الدراسية ، يشهد لذلك أن المنح بدأت السعودية في تقديمها لأندونيسيا في حدود عام ١٣٨٤هـ ويذكر أن أول دفعة إندونيسية كانت ١٨طالباً من أبناء نهضة العلماء ، ومع هذا لا نجد هناك أي حزب سياسي أو جمعية مؤثرة في العمل السياسي لها تبعية لبلادنا ، أو تعمل وفق برنامج يخدم مصالحنا هناك ، فالعمل السعودي العظيم داخل إندونيسيا وغيرها ، ليس له من أهداف سوى خدمة العلم والمعرفة وإيقاظ القلوب والعقول ، وفك أسرها من البدع والخرافات والولاءات لغير دينها وأوطانها ، ولا يقوم بأي نشاط يخالف أنظمة البلاد وسيادتها ، وهذا ما جعل معهد الدراسات العربية في جاكرتا بعيداً عن تسجيل أي ملاحظات أمنية أو فكرية عليه من قِبَل السلطات الإندونيسية أو الجهات الثقافية والتعليمية الرسمية ، الأمر الذي شَجًَع المسؤولين هناك على تقديم التسهيلات للمراكز الثقافية التي تقيمها المؤسسات السعودية ، وآخرها الجامعة الإسلامية الدولية التي أسهمت السعودية في تكاليف إنشائها ، كما تم الافتتاح مؤخراً لأربع كليات في البلاد برعاية المملكة ولازالت هناك مطالبات بالمزيد ، فلولا أن السلطات السياسية والأمنية والثقافية ترى أن المنشآت التعليمية السعودية داعمة للوسطية والأمن والاستقرار لم يكن هذا الترحيب وهذه الكثافة في العمل .
كما أقر الرجل بفاعلية خريجي الجامعات السعودية ، وأثرهم في المجتمع الإندونيسي ، ولم يستطع أن يتحدث عن أي أثر سلبي لهم في بلادهم سوى اتهامهم بالوهابية والتشدد والتطرف ، ومثاله الوحيد الذي استطاع تقديمه هو تربية خريجي السعودية للحى ، أي أنهم أكثر انباعاً لسنن المصطفى الظاهرة صلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ؛ أمَّا ما يزعمه من التطرف فلن يستطيع أن يجد له مثالاً سوى الاختلاف في بعض الاجتهادات الفقهية التي قد يراها هو تطرفاً ، ولا يعدوا الخلاف فيها خلافاً في الاجتهاد إن كانت مما يسوغ فيها الاجتهاد ، لأن تاريخ الإرهاب في أندونيسيا لا يذكر في صحائفه من قادة العمل الإرهابي والمروجين له أحداً من خريجي الجامعات السعودية .
فمن المعروف أن أشهر المتهمين بالتطرف في إندونيسيا : أبو بكر با عشير ، الذي سُجن بتهمة التدبير لتفجيرات بالي سنة ٢٠٠١م وهذا الرجل لم يدرس في السعودية مطلقاً ، وهو من أسرة صوفية.
وأمان عبد الرحمن الذي أدين بالتحريض على عدد من التفجيرات لم يدرس في السعودية مطلقاً ، ومحمد غانوزو سابتونو الملقب بذي القرنين والمتهم بالتآمر للانقلاب على الجمهورية ممن ينتمون لحزب التحرير الذي توجد مقراته في عدد من دول أوروبا وليس له أي انتماء أو نشاط في السعودية ، وهو خريج مدرسة المكمن الإسلامية ، وهي مدرسة إندونيسية داخلية ، وأبو وردة سانتوس الذي اعتبره الرئيس الأندونيسي الإرهابي رقم واحد ،. وجَنَّد للقبض عليه ألفا عنصر من كافة القطاعات العسكرية في حملة انتهت بقتله سنة ٢٠١٦ وهو أيضا دَرَس في إندونيسيا .
والأمثلة على ذلك كثيرة ، كما أن الأمثلة المُشَرِّفة للعمل الدعوي الرصين الوسطي لخريجي الجامعات السعودية أكثر بكثير ومنهم الدكتور نور هدايت رئيس حزب العدالة والرفاهية ورئيس مجلس النواب الإندونيسي ، وقد دَرَسَ في الجامعة الإسلامية المراحل العليا الثلاث ، البكالوريوس والماجستير والدكتوراة ، وكذلك الشيخ عبد الغني حسن جاسوبا ، وهو من أوائل خريجي الجامعة الإسلامية [١٤٠٠هـ] والذي أصبح عام ١٤٣٥هـ حاكما لجزر الملوك في الشمال الشرقي لإندونيسيا حيث تضم أكثر من ١٧٠٠ جزيرة من مجموع تعداد جزر الأرخبيل ، وكذلك الدكتور محمد مفتوح بسيوني رحمه الله الذي عمل سفيرالبلاده بالسعوديه وبدول اخرى ثم اصبح وزيراللشوون الدينيه ، وهومن الدفعة الاولى التي التحقتبالجامعه الاسلاميه ومن عمق ابناء النهضيين ، وكذلك سالم سقاف الجفري والذي عمل ايضاسفيرا لبلاده بالسعوديه ثم وزيرا للشوونالاجتماعيه ، والدكتور أوائل أبصار عبدالله وهو مدير الشبكة الإسلامية الليبرالية في إندونيسيا ومدير معهد الحرية ، وهو رغم دراسته في السعودية لا يتفق مع الفكر السلفي في كثير من التوجهات لكنه هو وأمثاله شواهد على النقيض التام مما تفوه به عقيل سراج الذي حصل على الدكتوراة في جامعة أم القرى ، ومن المفارقات أن مشرفه على الرسالة أستاذ أزهري هو الدكتور محمود أحمد خفاجي ، فالجامعات السعودية السلفية لم تكن متعصبة أو متحيزة مادامت الغاية هي التبادل المعرفي ، كما أن سعيداً يعلم أن إمام الأزهر الذي يشتكي إليه من مخرجات الجامعات السعودية كان أحد أساتذة كبرى هذه الجامعات وهي جامعة الإمام ، ولم يَحُل انتسابه إلى الطرق الصوفية دون استفادة الجامعة منه ؛ ومفارقة أخرى هي أن رسالة الدكتور سعيد ، والتي بَحَثَها وناقشها في رحاب قسم العقيدة في جامعة أم القرى كانت عن ” علاقة الله بالكون في التصوف الفلسفي” الأمر الذي يدحض جوابه شَيْخَ الأزهر بأن الفلسفة كانت محرمة عنده ، أي في السعودية .
النتيجة التي ينتهي إليها المقال : أنه حان الوقت لتتحرر العقول المسلمة الصادقة من دعاية الصهاينة والإيرانيين ومن وراءهم من المراكز البحثية الدولية والهيئات المروجة للبدع الخرافية في الإسلام ، والتي ساءنا جميعاً أن تدعو المملكة العربية السعودية لتنقية الإسلام من الخرافة والعودة به غضاً كما أنزله الله قريباً للعقول والقلوب ، فعملوا على وصمه بالتطرف وتشجيع الإرهابيين بدعاوى الانتساب إليه .
إن من يزعم أن السعودية سبب للتطرف هو من الانحراف الفكري بمثابة من يزعم أن ذا الخويصرة كان نِتَاجاً للرسالة النبوية ، وأن الخوارج الأزارقة كانوا نتاجاً لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه .
محمد السعيدي
جزاك الله خيرا ونفع بك ، ليتها تترجم وتنشر